أمضى السياسيون من الدول العشرين التي حضرت الاجتماع (لقد سُمي رسمياً اجتماعاً بدلاً من قمة) الأسبوعين الماضيين، يحاولون تلبية توقعات مواطنيهم. واعتمدوا في ذلك على حاجات جداول أعمالهم المحلية عوضاً عن ضرورة إيجاد حل عالمي لأزمة عالمية. تتميّز الدول المتقدمة تقريباً، بغض النظر عن استثناءات، بنظام ضريبي متقدّم ومعقد. وفي استطاعة الشركات العالمية والأفراد الأثرياء الحكماء، إذا ما وضعوا مخططاً مدروساً، أن يقللوا من قيمة الضريبة التي يدفعونها بلجوئهم إلى اختصاصات ضريبية منخفضة يُطلق عليها في وسائل الإعلام اسم «الملاذات الضريبية»، والاستفادة من معاهدات الازدواج الضريبي بين البلدان. إنه تخطيط معقد ويمكن أن يكون مربحاً جداً. وما يدعو إلى السخرية، أن تكون المملكة المتحدة طوال سنوات، مركزاً للضرائب المنخفضة، بما أنه في إمكان السكان القادمين من الخارج وغير المقيمين فيها، أن يودعوا دخلهم، الذي لم يتقاضوه في المملكة المتحدة، خارجها، ويتمّ إعفاؤهم من دفع الضرائب عليه. غير أن التركيز لا ينصب على وضع الضريبة المنخفضة في المملكة المتحدة (ما يساعدها على جذب رؤوس الأموال إلى لندن)، بل على الملاذات الضريبية في العالم، مثل جورزي وغورنزي وجزر كايمان وليختنستاين وموناكو. أضف، الهدف السهل للسرية المصرفية السويسرية، وسيجد عندها قادة مجموعة العشرين ما يجمعون عليه كلهم. يمكنهم في سهولة ومن دون التعرض لانتقادات الناخبين، أن يوافقوا على تضييق الخناق على استخدام الملاذات الضريبية الخارجية. أما النقطة الثانية التي يمكنهم أن يتوافقوا جميعاً عليها فهي الحاجة إلى تعزيز قوانين مراقبة المصارف وتنظيمها مع الخدمات المالية ذات الصلة، غير أنه من المستبعد أن تتوافر ترتيبات فعالة تضمن التزام الأطراف الموقعة كلّها على أي ترتيبات جديدة فعلياً بهذه القواعد. وتوضح التعليقات التي سبقت تحضير الاجتماع، أن الولاياتالمتحدة كانت تبحث عن دعم لسياستها في حفز الاقتصاد من خلال اقتراض مبالغ طائلة لتضخها في النظام. في حين شعرت ألمانيا وفرنسا وغيرهما من البلدان بأنها فعلت ما يكفي، وهي لا ترغب في زيادة هوة العجز الساحقة التي تعاني منها. ولم يستطع قادة مجموعة العشرين أن يخفوا هذا الانقسام، إذ كان لكل قائد جدول أعمال محلي خاص به. تبوأ باراك أوباما سدة رئاسة الولاياتالمتحدة وسط موجة من الحماسة، ليس فقط في الولاياتالمتحدة، بل في أنحاء العالم أيضاً. غير أنه قد يُصدم لدى معرفته بأن القادة الأوروبيين الذين أظهروا تأييداً كبيراً لتسلمه الرئاسة، يشكّكون الآن أكثر فأكثر في سياساته، وفي شكل خاص برزم الحفز التي لا تكف الولاياتالمتحدة عن الإعلان عنها. ويجب ألا يغيب عن بال القادة الأوروبيين أنهم في كل مرة ينتقدون أوباما، يضعفون من موقفه الوطني. فالذاكرة لا تتمتع بعمر طويل، والناس لم يبتهجوا لتسلم باراك أوباما الرئاسة فحسب، بل ابتهجوا أيضاً لانتهاء ولاية جورج بوش. إذ كانت سياساته في قضايا كثيرة متناقضة مع بقية العالم. يبقى أن ننتظر النتائج البعيدة المدى لاجتماعات مجموعة العشرين. فالتحاور والتوصل إلى نتائج، أمران مهمان. إلا أن القضايا التي عالجها قادة الدول العشرين في اجتماعهم في لندن، معقدة جداً مع وجود جداول أعمال مختلفة، بحيث يصعب أن يتوصلوا إلى أي قرار بنّاء، باستثناء الاتفاق الشامل في ما بينهم على ضرورة فعل شيء حيال هذه الأزمة! وللأسف، يبدو أنه في غياب أي قرار آخر، سيتم الاتفاق على إلقاء اللعنة على المناطق ذات الضرائب المنخفضة، التي تؤدي دوراً بارزاً في نجاح الشركات العالمية والمستثمرين حول العالم الذين نعتمد جميعنا على أموالهم. * محام بريطاني