أكد رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بن كيران أن الاعتذار الذي قدمه إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس ومستشاريه جاء بمحض إرادته وانه لم يخضع لأي ضغوط. وأوضح في لقاء مع أعضاء حزبه «العدالة والتنمية» الإسلامي، أن ما قام به تجاه الملك يعكس «تحملي المسؤولية، وأقسم بأن الله شاهد على ما أقول». وشدد على أنه لم يخطئ، في إشارة إلى تصريحات نسبت إليه حيال انقطاع حبل المودة والاتصال مع مستشاري البلاط الملكي إذ نقل عنه القول أن بعضهم يجري اتصالات بوزراء حكومته من دون وضعه في الصورة. لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن علاقته والمؤسسة الملكية «يطبعها التفاهم والتعاون»، بما في ذلك مستشاري البلاط. وأضاف بن كيران في أول توضيح يصدر عنه بعد إثارة خلفيات الاعتذار وأبعاده وتداعياته زوبعة سياسية، أن الاعتذار للملك «ناتج من المكانة التي يحظى بها لدي والعلاقات التي تربطني به بحكم ما يجمعنا من عمل». غير أن النائب في كتلة «العدالة والتنمية» عبدالعزيز أفتاتي الذي عرف بتصريحاته ومواقفه المثيرة للجدل اعتبر الاعتذار «لا معنى له». ونقل عنه القول أن كلام رئيس الحكومة عن مستشاري الملك»عادي جداً ولم يتضمن ما يتطلب الاعتذار»، موضحاً أن الاختلاف مع المستشارين «أمر وارد». بيد أنها المرة الأولى التي تتعرض فيها العلاقة بين رئيس الحكومة ومستشاري الملك إلى اهتزاز يشي باحتمال وجود خلافات أو تحفظات، وإن لم يتسرب شيء ملموس حيال نقاط أو مجالات الاختلاف، خصوصاً أن الدستور يحدد صلاحيات رئيس الحكومة المسؤول وحكومته أمام الملك والبرلمان. وكان المجلس الدستوري المعني بالتصديق على القوانين التنظيمية ذات العلاقة باختصاصات السلطات طلب إلى البرلمان معاودة قراءة مشروع قانون صلاحيات التعيين في المناصب رفيعة المستوى. وعابت بعض فصائل المعارضة على بن كيران أنه «فوت صلاحياته» بهذا الصدد. لكن زعيم «العدالة والتنمية» عاود العزف على وتيرة «التسلط والهيمنة». وقال في هذا السياق إن «على الشعوب أن تحذر من التسلط والهيمنة والتحكم والمفسدين»، مضيفاً أن هؤلاء «موجودون ويستخدمون الوسائل كافة للحفاظ على مصالحهم». ورأى أن مواجهتهم «يجب أن تتم بالأفكار والبرامج والاستقامة والخطاب الواقعي». وانبرى رئيس الحكومة منتقداً بعض خصومه السياسيين من دون تسميتهم، مؤكداً أن «ليس من حق أحد أن يتهم حزبه بأنه غير ديموقراطي». وحض هؤلاء على «ممارسة الديموقراطية أولا قبل توجيه الانتقادات للعدالة والتنمية». وشدد على أن هناك من يحاول التشويش على المرجعية الإسلامية»، واصفاً هذه الجهات بأنها «مخطئة في الحرب على المرجعية». وحض مناوئي حزبه على «التزام المرجعية الإسلامية فكراً وسلوكاً». وأعرب عن عدم مضايقته إزاء أي انتقادات تصدر من منتسبي الحزب أو غيرهم «شرط أن تكون معقولة ومبنية على أساس». واستغرب «بعض الناس الذين أكلوا ولم يتمكنوا من هضم ما أكلوه ويصرخون احتجاجاً ضد بن كيران». ورأى أن ما يحدث في المغرب «يشكل بداية منطق جديد في إدارة الشأن العام»، مشيراً إلى أن حزبه «في وضع جيد ومحترم ويشكل عناصر قوته للمستقبل». وذهبت مصادر إلى الربط بين الموقف والإيحاء بقدرات «العدالة والتنمية» على تحقيق اختراق في استحقاقات انتخابات البلديات المقبلة وإن لم يتحدد موعدها بعد. وبرأي مراقبين، فإن الاستحقاقات المقبلة تشكل أول اختبار للحزب الإسلامي الذي انتقل من المعارضة إلى واجهة تحمل المسؤولية الحكومية، خصوصاً أن سوابق في التجارب المغربية أكدت أن بعض الأحزاب تفقد نفوذها في الشارع بعد تحولها من المعارضة إلى الموالاة في ضوء ضغوط وإكراهات تدبير الشأن العام. وأوضحت معطيات عملية أن كثيراً من الوعود الانتخابية لجهة رفع الحد الأدنى للأجور وحفظ السلم الاجتماعي والتوازنات المالية وإيجاد مزيد من فرص العمل لحملة الشهادات الجامعية العاطلين من العمل في طريقها إلى أن تتبدد أمام إكراهات الأزمة المالية والاقتصادية. وتظاهر مئات مساء أول من أمس في عدد من المدن المغربية استجابة لدعوة أطلقتها «حركة 20 فبراير» للاحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية واعتقال ناشطي الحركات الاحتجاجية. وذكرت وكالة «فرانس برس» أن حوالى 300 شخص تجمعوا في ساحة «باب الأحد» وسط العاصمة الرباط، رافعين شعارات منددة بقرار الحكومة زيادة أسعار المحروقات والذي أدى إلى ارتفاع أثمان باقي المواد الاستهلاكية. وكانت المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية متخصصة في الإحصاء) توقعت استمرار ارتفاع أثمان المواد الاستهلاكية، مرجعة ذلك إلى زيادة الحكومة أسعار المحروقات. وأخلت الشرطة الشارع الرئيس حيث يوجد البرلمان في انتظار عبور المتظاهرين الذي اكتفوا بالوقوف في ساحة باب الأحد لمدة ساعة ونصف. ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها «الشرفاء في السجون والسارقون فوق القانون»، «المخزن وابن كيران أشعلوا في الشعب النيران» و «كفى من الزيادات، جيوب الناس فرغت». وطالب المتظاهرون بإطلاق سراح ناشطي «حركة 20 فبراير» المعارضة وكل من اعتقل من المتظاهرين السلميين خلال الاحتجاجات التي شهدها أخيراً عدد من المدن المغربية. واعتقلت السلطات وحاكمت عدداً من الناشطين الذين شاركوا في مسيرات احتجاجية للحركة. ووصفت تقارير حقوقية الأمر بأنه «اعتقالات انتقامية ضد من نادوا بالتغيير ومحاربة الفساد»، في حين اعتبرت الحكومة أن «الأمر يتعلق باحتكاك بين الأمن والمتظاهرين». كما رفع المتظاهرون عدداً من الشعارات المنتقدة لرئيس الوزراء وحكومته، معتبرين أن «بن كيران يسود والآخرون يحكمون»، وطالبوا برحيله. وغنى المتظاهرون جملاً منتقدة لتصريحات رئيس الحكومة حول محاربة الفساد حين قال: «عفا الله عما سلف ومن يعود ينتقم الله منه»، واصفين الحكومة بأنها حكومة «عفا الله عما سلف»، وحكومة «الرازق هو الله»، «واللطف من عند الله». وأفاد شهود من مدينة الدارالبيضاء بأن ما يقارب ألف شخص خرجوا للتظاهر حاملين الشعارات نفسها المنددة بالحكومة وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، داعين إلى «عدم العودة إلى سنوات الرصاص»، حين كان يعتقل معارضو النظام ويودعون السجن. وقال الناشط في «حركة 20 فبراير» من مدينة تطوان يحيى البياري ان «الشرطة قامت بضرب وملاحقة المتظاهرين حتى قبل انطلاق المسيرة» في المدينة الشمالية، متحدثاً عن «إنزال أمني كبير» فسره بتواجد الملك في المدينة. وأفاد ناشطون آخرون بأن الشرطة فرقت متظاهرين في مدينتي مكناس (وسط)، والجديدة (غرب)، فيما لم يعرف العدد الإجمالي الذي خرج في باقي المدن استجابة لدعوة الحركة إلى التظاهرة ل «إسقاط الفساد والاستبداد» و «تحقيق الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية».