لم تنته أخبار الرياضة السورية التي تعيش في حالة سبات منذ عام ونصف، عند منع رئيس الاتحاد الرياضي السوري من المشاركة في الأولمبياد، ففي اليوم الذي وصلت فيه البعثة السورية الرسمية إلى لندن، قصفت قوات النظام منزل لاعب نادي أمية لكرة القدم زكريا اليوسف، مما أدى إلى استشهاده. ولم تكن هذه الحادثة المؤسفة الوحيدة التي طاولت الرياضيين السوريين، فالرياضة كانت من ضحايا هذا النظام أثناء الثورة وقبلها، والتفاصيل المسكوت عنها لعقود بدأت تتكشف يرويها الرياضيون قبل غيرهم. بعد شهور على وصول الرئيس حافظ الأسد إلى السلطة في انقلابه الشهير، كانت الأندية الرياضية السورية العريقة من أوائل القطاعات التي تعرضت لقوانينه «التصحيحية» بمرسوم 38 عام 1971 الذي فرض دمجاً قصرياً عليها. جاء ذلك ضمن خطة تحويل كل القطاعات الأهلية إلى الولاء المطلق للرئيس والحزب. وبدأ العهد الجديد بتغيير أسماء الأندية لصالح أسماء تتوافق مع قاموس البعث: «العروبة، الوحدة، الحرية، الجلاء، تشرين، الكرامة»... وكان من السخرية الفاقعة مثلاً فرض تسميتي «العروبة» و «اليرموك» على ناديين تابعين للطائفة الأرمنية! لم يمثل المنتج الجديد مدناً ومحافظات، بل استمرت الأندية في مضمونها طائفية وطبقية في بلد رفع فيه الحزب الحاكم شعارات الوحدة العربية والاشتراكية، وتباهى النظام فيه بأنه صنع «الوطنية السورية الحديثة». كان الغرض من الدمج شكلياً يسهل التحكم فيها، ورفض الناس ضمنياً التغيير ولم يتخلوا عن التسميات القديمة في الملاعب حيث تعلو علي سبيل المثال أصوات مشجعي نادي الاتحاد الحلبي مرددة: «أهلي..أهلي»، كذلك يهتف جمهور نادي الجلاء الحلبي: «شبيبة... شبيبة». بدأت الرياضة السورية تتدهور بعد صدور مرسوم 38 واستمرت كذلك لثلاثة عقود، بسبب تبعية الأندية للاتحاد الرياضي العام إدارياً ومالياً، وفي ظل الإدارة البيروقراطية الفاسدة، كما في كل القطاعات في «سورية الحديثة»، لم يتمكن الاتحاد من تمويل الأندية بصورة كافية، فانعكس ذلك على مستوى أداء الفرق إلا باستثناءات فردية. لقد فقدت غالبية الأندية التمويل التقليدي الذي اعتمد على تبرعات جمهور النادي وعلى رعاية أحد الأثرياء. أفرغ القطاع من الكوادر الموهوبة التي يمكن أن تديره وصار الشرط لتولي المناصب مدى ولاء الفرد لا كفاءته، وهي السمة ذاتها التي وسمت اختراق النظام للنقابات المهنية. وصار السيد القائد هو «الرياضي الأول» تُهدى له الانتصارات ولا تهدى للوطن. وعلى رغم الفساد الكبير الذي كان يتم من سرقات وعمولات فإن أي تحقيق في التجاوزات كان ينتهي بأن يرفع إلى القيادة السياسية «الرشيدة» لتبتّ فيه، وبالطبع لم يعاقب فاسد حقيقي طيلة ثلاثين عاماً. وتتداول الأوساط السورية موضوع اللاعبة الشهيرة غادة شعاع التي حققت لسورية عدة ميداليات عالمية في ألعاب القوى، وكيف كوفئت في إحدى المرات بسيارة مرسيدس وصلتها من منظمي إحدى البطولات العالمية التي فازت فيها بالميدالية الذهبية. إلا أن الاتحاد الرياضي استكثر على البطلة القومية ركوب سيارة غير متوافرة لقادته بعد، فسطا عليها، وحاول إعطاءها سيارة «دايو» عوضاً عنها، إلا أن شعاع لم تقبل بالقسمة غير العادلة واشتكت لإدارة البطولة الدولية، لتبدأ بعدها مرحلة التهميش والتهديد، ما اضطرها في نهاية التسعينات للاعتزال في ألمانيا تحت حجة الإصابة. يذكر أن غادة شعاع أشهر العناصر النسائية في الرياضة السورية، وهي من الطائفة المسيحية التي يدعي النظام أنه يرعاها من التمييز. بعد اندلاع الانتفاضة السورية منتصف آذار (مارس) 2011 انتقلت الرياضة السورية مرحلة جديدة بتحويلها إلى ذراع أمنية «شبيحة» تحت مسمى رسمي هو اللجان الشعبية بهدف «مساعدة قوى الأمن في إلقاء القبض على المخربين والإرهابيين»!. القرار ساهم بانقسام الجسم الرياضي ما بين شبيحة وضحايا، وعدد الضحايا أكبر مما كنت أتوقع وأنا أبحث في المواقع أو أسأل الأصدقاء عنهم. على سبيل المثال: عدي الطلب لاعب المنتخب السوري بكرة اليد للشباب ونادي الشعلة الرياضي بدرعا الذي توج أكثر من مرة بالدوري السوري، استهدف من قبل قناصة بطلقين ناريين بالساقين نقل على اثرها إلى الأردن للعلاج لتفادي بتر ساقه. زكريا اليوسف لاعب كرة القدم بنادي أمية ومنتخب سورية استشهد أثناء إسعافه لجرحي سقطوا بقذيفة في «حي المشهد» بحلب. الشهيد عبد الهادي عوض بطل الجمهورية وثاني أبطال العرب في رياضة «الكيك بوكسينغ»، تمت تصفيته بالسجن بطلقتين بالرأس. خالد خفاجي السبّاح في نادي الفتوة استشهد بدير الزور وهو متطوع في الهلال الأحمر. جمال بايرلي بطل سورية في رياضة الكاراتيه في منطقة البياضة بحمص، استشهد في نيسان (أبريل) الماضي بعد يومين من استشهاد خالد جرجنازي حارس شباب نادي النواعير بحماة. نورس طحيني بطل الجمهورية بكمال الأجسام، استشهد في مخيم النازحين بدرعا بتاريخ أواخر تموز (يوليو) الماضي نتيجة القصف. تغيب الكفاءات والمواهب عن المشهد الرياضي السوري في هذه اللحظة ويتصدره داعمو القتل والفساد، ويحسب مصدر ل «رابطة الرياضيين الأحرار» فإن اللواء موفق جمعة رئيس الاتحاد أسرّ لأحد المقربين بأنه سمح للمدربين الأجانب بالسفر مع اللاعبين السوريين المشاركين في أولمبياد لندن بدلاً من المدربين السوريين، «خوفاً من انشقاق رياضي جماعي في البعثة الرياضية». حملة «بريطانيون متضامنون مع سورية» التي قادت استبعاد جمعة صرح رئيسها للجزيرة نت، أن البعثة «تمثل نظاماً قتل الروح الرياضية ودمّر الرياضة في سورية». في كل الأحوال، ترنّ في ذهن من وقف مع القاتل ومن وقف مع الثورة معاً، أقوال «الأب القائد» التي فشلت مصداقيتها على أرض الواقع، عبارات طالما زينت جدران المدارس والصالات الرياضية والشوارع وطلب منهم حفظها عن ظهر قلب في كتب المدرسة، عبارة كانت تكتب بخط عريض تقول: «إني أرى في الرياضة حياة»! * كاتبة سورية