سواء كنت تمشي بخطوات سريعة أم متثاقلة، تقهقه من فرحك أم تئن من حزنك في وسط العاصمة الأردنيةعمان، لا بد أن يستوقفك مبنى بباب قديم، وبلوحة كتب عليها «ديوان الدوق» في شارع الملك فيصل. يدفعك الفضول لتكتشف ماهية المكان، وتعبر 28 درجة من البلاط الأصفر، وها أنت في ديوان الدوق، أو فندق حيفا، أو مبنى البريد، الذي يعد حالياً من أقدم الأبنية المحَافظ عليها في التاريخ المعاصر لمدينة عمان. بناه عبد الرحمن باشا ماضي في العام 1924، واستأجرته إدارة البريد المركزي لحكومة إمارة شرق الأردن حتى نهاية الأربعينات من القرن العشرين. ثم تحول إلى فندق بعد النكبة في العام 1948 وعرف باسم فندق حيفا. وفي العام 2001، استأجره ممدوح بشارات المعروف باسم «دوق المخيبة» الذي أراد أن يكون المكان نموذجاً حياً في الحفاظ على الهوية المعمارية والثقافية للعاصمة الأردنية. يحوي المبنى خمس غرف مختلفة الأحجام تنفتح على صالون مركزي. الأرضية مشكّلة من بلاط متناوب بين اللونين الأسود والأخضر. النوافذ كبيرة ومقوسة تشغل جزءاً كبيراً من الجدران، تسمح للضوء والهواء بالانتشار. وتتكون الواجهة الرئيسية المطلة على شارع الملك فيصل المزدحم بالمشاة والسيارات، من الحجر المعاني الأبيض المنقوش بعناية، وتزينها أعمدة ذات قمم منحوتة بدقة بالغة. تعبر الصالون من خلال أبواب زجاجية من اليمين واليسار لينتهي بك المطاف في بلكون مطل على شارع الملك فيصل. يحتوي البلكون على ساعة كبيرة توقفت عقاربها عن العمل، ربما لتثبت جمال لحظة ما في تاريخ المكان. ويختزن المبنى ذاكرة متنوعة بتنوع الوظائف التي شغلها عبر تاريخه، من مكتب بريد إلى فندق، وأخيراً إلى ديوان للثقافة والفنون. ترتسم في عقل الزائر لا إرادياً قصص وسيناريوهات بالتنوع ذاته: كم رسالة حب مرت من هنا؟ وكم رسالة حزن؟ وكم من غريب نزل في الفندق؟ وكم قصة نسجت هنا أو عرفت فصولاً في المكان؟.. يبتسم زائر بصمت وهو يتنقل بعينيه من زاوية إلى أخرى ليرصد التفاصيل، من أدوات الإنارة القديمة الى التحف والهاتف القديم والكتب، فضلاً عن الكثير من صور عمان في العشرينات والأربعينات. وإذا كنت من المحظوظين، ستلتقي الدوق البشارات، الذي يقودك إلى بلكون جانبي صغير يطل على كشك أبو علي لبيع الكتب «الذي بقي صامداً أيضاً حتى الآن، هو والبنك العربي من الزحف العمراني»، كما يقول. يدلّي الدوق حبلاً في طرفه سلة للأسفل. دقائق ويعود بصحن من الكنافة. يدعو ضيفه الى الأكل وهو يقول: «يأتي الناس الى هنا لأخذ قسط من الراحة وسط ضجيج المدينة، ولاسترجاع هويتهم الى حد ما». ويشدد على أهمية الحفاظ على الأماكن القديمة، معتبراً أنها "أمانة يجب حفظها للأجيال المقبلة". ويضيف بشارات: «أهمية ديوان الدوق تنبع من كونه واحداً من الأماكن المعدودة على الأصابع التي بقيت حتى الأن، وهو يشبه في بنيته الداخلية بيوت بيروت والشام القديمة من الناحية العمرانية، أما الأقواس فمنقولة عن نمط البناء في القرن الخامس عشر». ويستخدم المكان حالياً ديواناً للثقافة والفنون، إذ شهد أكثر من حفل توقيع كتاب وأمسية أدبية وغنائية. وكان من بين من استقبلهم الشاعر الراحل محمود درويش. كما يستضيف الديوان معارض تصوير ورسم بالتعاون مع المراكز الثقافية كالمركزين الثقافيين الفرنسي والبلغاري، بالإضافة إلى أنه مفتوح للسياح على مدار الساعة.