أنتظر أن أقابل الرئيس محمود عباس لأهديه صورة. يوم الجمعة الماضي طبعت من موقع «نيويورك تايمز» على الانترنت صورة لمعتقلين متهمين بالفساد في نيويورك ونيوجيرسي يقودهم رجال شرطة الى باص. وكانت أيدي المعتقلين مكبلة بالأصفاد الى خلف، وفي آخر الطابور رجل أمن يدفعهم الى الأمام. رجل الأمن بشعره الأبيض بدا وكأنه أبو مازن، وأمامه في آخر طابور المتهمين اثنان من الحاخامات المعتقلين. وهكذا فما لم يستطع الرئيس الفلسطيني أن يحقق في بلاده حققته له الشرطة الأميركية، وتحديداً مكتب التحقيق الفيديرالي الذي وضع الخطة الأصلية لاصطياد الفاسدين والمفسدين، ولا بد من أن رجال المكتب نجحوا نجاحاً فاق توقعاتهم، فقد أوقعوا في الفخ 44 شخصاً، بينهم ثلاثة رؤساء بلدية من ولاية نيوجيرسي، وعضوان في المجلس (البرلمان) المحلي وخمسة حاخامات. في التفاصيل أن رجال أف بي آي وضعوا خطتين متداخلتين: الأولى تركز على غسل الأموال، وهذه سقط فيها حاخامات وأعضاء من الجالية اليهودية السورية، معظمهم من بروكلن وبلدة ديل في ولاية نيوجيرسي، والثانية استهدفت مسؤولين حكوميين أكثرهم في مدينة جيرسي وبلدة هوبوكن، ارتشوا عدّاً ونقداً. وراء الخطتين هناك مخبر للسلطات هو سولومون دويك، وهو مليونير يهودي أميركي من أصل سوري جمع ثروته بالمتاجرة بالعقار ثم أفلس وأعتقل بعد أن أودع بنكاً شيكين كل منهما قيمته 25 مليون دولار، وسحب 22 مليون دولار بسرعة بعد ذلك وتبين أن البنك رفض قبول شيك، وأن الآخر من دون رصيد. يبدو أن دويك بعد أن سقط قبل أن يعمل مخبراً للسلطات، والنتيجة هي الفضيحة المدوّية التي عصفت بالجالية اليهودية الأميركية من أصل سوري، وطاولت حاخامات بينهم شاؤول كاسين، الذين يرأس مجموعة من 50 كنيساً لليهود الشرقيين هي الأكبر في الولاياتالمتحدة، ومع ذلك لم يمنعه مركزه أو عمره (87 سنة) من غسل الأموال. دويك عرض على الحاخامات أن يتبرع لمدارس وجمعيات شرط أن يعيدوا اليه ما تبرع بعد خصم عمولة على المبالغ الممنوحة، وهو أعطى المسؤولين في البلديات تبرعات نقدية لحملاتهم الانتخابية أو لتسهيل أعماله العقارية. والنتيجة كانت شيئاً أعرفه جيداً عن الحياة السياسية الأميركية، وقبل أيام فقط، وبالصدفة، نشرت في هذه الزاوية مقالاً عن الانتخابات الأميركية قلت فيه إنها صناعة مستمرة يومياً، وليس مرة كل سنتين أو أربع سنوات. وأن قوامها المال. وباراك أوباما نفسه ما كان فاز لو لم يجمع مبلغاً قياسياً من المال لحملته ضمن حملة انتخابية سجلت بدورها رقماً قياسياً في الإنفاق بلغ حوالى ستة بلايين دولار. الحاخامات أخذوا من تبرعات دويك عمولة بين ثلاثة وخمسة في المئة، والمسؤولون الحكوميون تلقوا مبالغ بين خمسة آلاف دولار وعشرة آلاف أهم ما فيها أنها «كاش» وغير معلنة بالتالي، وكان هناك أيضاً من تاجر بأعضاء الجسم البشري مثل الكلى، شراء وبيعاً. ويحدث هذا وسط جالية يهودية أميركية من أصل سوري هي بين المجموعات الأكثر ثراء في أميركا كلها. وكنت أعرف أن لليهود السوريين حياً في بروكلن يكاد يكون مغلقاً عليهم، فهم لا يرحبون بالغرباء، حتى من اليهود الآخرين، وأسعار العقار عندهم أضعاف الموجود في الأماكن القريبة خارج حيّهم. اليهود السوريون خرجوا من سورية فقراء، وعلى دفعات. فأهل البلد كلهم تجار، ولعل التاجر الدمشقي أو الحلبي، وحتى الحمصي، هو الوحيد في العالم الذي يستطيع أن يدعي أنه أمهر في التجارة وصنع المال من اليهود. وحقق اليهود السوريون في أميركا ما عجزوا عن تحقيقه في بلادهم الأصلية، وربما ما كان العالم الخارجي عرف عنهم شيئاً لولا الفضيحة التي ستميط كل ستار عنهم عندما تصل الى المحاكم. عندما كنت أحاول أن استأجر شقة لابني في دمشق بعد أن أرسلته جامعته البريطانية لتعلم اللغة العربية في بلد عربي، فاوضت بمساعدة الزميل ابراهيم حميدي عجوزاً دمشقية محجبة لاستئجار شقة صغيرة تملكها فكانت أصعب من عشرة محامين. وقال لي ابراهيم في النهاية: شفت يا أستاذ ليش اليهود طلعوا فقراء من سورية؟ شفت فعلاً، واليوم عندي صورة للرئيس الفلسطيني، أو شبيهه، يعتقل حاخامات في نيويورك، وهذا منتهى العجب.