اللواء عمر سليمان، ابن مصر المناضل الوطني، ظُلِم حياً وظُلِم أكثر ميتاً، والسبب الأول الجهل، فهو كان رئيس استخبارات يعمل في الظل ولا اتصال مباشراً له مع المواطن العادي، والسبب الثاني خلافه مع جماعة الإخوان المسلمين، أو حربه عليها مع ما لها من شعبية كبيرة في الشارع المصري. ثمة أسباب أخرى إلا أنها قليلة الأهمية بما يمكن تجاوزها، وبما أن الرجل عند ربه وليست لي أي مصلحة شخصية أو فائدة من الحديث عنه، فإنني أريد أن أصحح معلومات متداولة يرددها ناس لا يعرفونه ولم يروه، ولم يوجهوا إليه سؤالاً ليسمعوا رداً يقبلونه أو يرفضونه. بعد أن أصبح اللواء عمر سليمان رئيساً للاستخبارات في أوائل التسعينات، ثم وزيراً، كنت أراه بمعدل مرة كل سنة، أي أن لي معه حوالى 20 مقابلة صحافية، لعل أهمها، من ناحية المعلومات، آخر جلسة وكانت في بيته في القاهرة في 16 أيار (مايو) الماضي، ودامت حوالى ثلاث ساعات، في حين أن الجلسات السابقة كانت بحدود ساعتين لكل منها وحضرت أكثرها زميلة من مكتب «الحياة» في القاهرة. نشرت بعد جلستنا الأخيرة حلقتين في هذه الزاوية في 20 و21/5/2012 مختاراً أهم ما سمعت، بعضه لا كله. كان يجب أن أقدِّر أن اللواء أصبح خارج الحكم، وهو بالتالي أكثر حرية في الكلام، وانتهيت وقد ملأت 24 صفحة بكلامه. وأستطيع اليوم أن أزيد ما لم أنشر في حياة اللواء قصتين سمعتهما منه، الأولى عن اجتماع «له مع مسؤول خليجي في موقع الحكم (عندي اسمه)»، كما قلت في المقال المنشور. ومع أنني أحتفظ بنص المقابلة مع اللواء عمر سليمان، إلا أنني لن أنشر اسم المسؤول الخليجي الكبير قبل استئذان أطراف العلاقة الآخرين لأن الموضوع يشمل العلاقات الأمنية بين بلدَيْن عربيين. اللواء بدا متأثراً لأن المسؤول الكبير لم يصدق أنه والمشير حسين طنطاوي لم يتآمرا للإطاحة بحسني مبارك، على رغم وثوق العلاقة بينهما. أما القصة الثانية فهي تعود إلى محاولة اغتياله في كمين قرب مستشفى كوبري القبة في 30/1/2011. وكنت قلت «وسمعت منه اسم مَنْ يتهم بالوقوف وراء الحادث» ولم أذكره، وأقول اليوم أنه رجّح أن يكون جمال مبارك وراء المحاولة لأنه يعتقد «أنني بوّظت عليه فكرة أن يأتي رئيساً لمصر». كان اللواء عمر سليمان في حرب مع الإخوان المسلمين، خَلت من أي هدنة، على امتداد عمله الرسمي، ولعل ما حكم العلاقة أنه تسلّم رئاسة الاستخبارات في مطلع التسعينات، وهو عقدٌ تعرضت فيه مصر لإرهاب جماعات أصولية متطرفة راح ضحيتها عشرات المواطنين والسياح. الجماعة بريئة من الإرهاب حتماً، غير أن مشكلة السياسيين مثل حسني مبارك ورجال الأمن مثل عمر سليمان أن الجماعات الإرهابية كافة خرجت من تحت عباءة الإخوان المسلمين فأصبحوا متهمين بالتبعية وليس لأي شيء ارتكبوه هم. في الجلسة الأخيرة مع اللواء عمر سليمان أبدى خشيته من أن يسيطر الإخوان المسلمون على مصر، ويفرضوا حكماً دينياً يؤدي إلى صراع مجتمعي، سواء كان الفائز منهم محمد مرسي أو محمد العوا أو عبدالمنعم أبو الفتوح. وهو قال إن الجماعة الإسلامية والجهاد والتكفير والهجرة أسسها أعضاء في الإخوان المسلمين أو انشقوا عن الجماعة، وإن هذه الحركات الأصولية مارست الإرهاب في التسعينات ودم المصريين على أيديهم، وهو ذكرني بأن عبدالمنعم أبو الفتوح أسس الجماعة الإسلامية والآن يزعم أنه معتدل. وتوقع اللواء أن تعود الجماعات المحظورة إلى العمل السياسي، وبعضها عاد فعلاً، وأبدى خشيته من أن يجر جو العداء مع إسرائيل إلى عمليات مسلحة ضدها تنتهي باحتلال إسرائيل شريطاً عميقاً داخل سيناء لمنع إطلاق الصواريخ عليها، أو بحرب تخسر مصر معها دعم الولاياتالمتحدة والدول الغربية الأخرى، في حين أنها غير مستعدة أبداً لحرب مع إسرائيل. في جو العداء المستمر المستحكم مع الإخوان المسلمين أفهم أن يردوا عليه ويكيلوا له التهم، غير أن تكرار بعضها قد يقنع المواطنين العاديين بها، وهي أبعد ما تكون عن الحقيقة. وأكمل غداً. [email protected]