لم يعد في الأمر مفاجأة حين نسمع أن قناة جديدة قد انضمت إلى قائمة القنوات القادمة من مختلف أنحاء المعمورة لتخاطب العالم العربي بلغته... هكذا سمعنا خبراً يفيد بأن الصين أطلقت، أخيراً، قناة تلفزيونية جديدة ناطقة بالعربية هدفها «إيصال صورة حقيقية عن البلاد إلى شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وكانت فضائيات عدة سبقت الصين في التوجه إلى العالم العربي مثل قناة «الحرة» و «فرانس 24» و «بي بي سي»، و «روسيا اليوم»، والقناة الألمانية... وسواها من القنوات التي تستهدف المشاهد العربي، إذ يسعى مالكو تلك القنوات إلى الترويج لوجهة نظرهم، وتلميع صورة بلدانهم وتبرير سياساتهم في المنطقة. ولعل هذا ما أشار إليه أحد مسؤولي التلفزة الصينية المركزية، إذ قال إن الهدف من إطلاق هذه القناة هو «تصحيح الانطباعات المشوهة التي يروجها بعض وسائل الإعلام الأجنبية عن الصين». أكثر من ذلك، فإن المشاهد العربي لا يتعرف، عبر تلك القنوات، على واقع تلك الدول وحقيقة تلك الشعوب فحسب، بل هو يجد في تلك القنوات منابر إعلامية موضوعية تنقل له ما يجري في بلاده ذاتها أكثر مما ينقله تلفزيونه الوطني كما يفترض. لكن النقطة الأساسية لدى سماع أخبار عن إطلاق قنوات مماثلة لا تكمن هنا، بل تتجلى في السؤال عن سبب غياب فضائيات عربية الصنع تتوجه، بدورها، إلى شعوب العالم، بلغاتها المختلفة، وتسعى إلى تصحيح الصورة الخاطئة المنطبعة في أذهان تلك الشعوب عن العالم العربي والإسلامي! والمفارقة أن الشكوى من شيوع هذه النظرة النمطية المشوشة تجاه العرب والمسلمين، تتكرر في كلام كل مسؤول ومثقف ومغترب عربي. لكن لا أحد يفكر في إطلاق قنوات تلفزيونية من شأنها قلب تلك النظرة الجامدة، وتقديم العالم العربي بحقيقته التي ليست ناصعة كفاية، لكنها ليست، كذلك، بتلك السوداوية الشائعة لدى الأوساط الغربية خصوصاً. هذا التقصير الإعلامي العربي لا يمكن أن نبرره بالناحية المادية، ذلك أن جولة سريعة بين «الأقمار» ستكشف عن كم كبير من القنوات العربية، والنسبة الأكبر من هذه القنوات يمكن وصفها، بلا مجازفة، ب «السخيفة». المشكلة، إذاً، تكمن في الذهنية، رسمية كانت أم أهلية، المستعدة للصرف بسخاء على قنوات تبث «السحر وقراءة الكف وهز البطن والثرثرة...»، والعازفة عن التفكير في إنشاء فضائية تنقل الثقافة والتراث العربيين إلى الشعوب غير العربية المتهمة، من قبل تلك الذهنية، بأنها تجهل الواقع العربي الإسلامي، ولا تنظر بعين التقدير إلى الإسهام الفكري والحضاري للعرب والمسلمين. والأرجح أن المشاهد العربي سيرى مزيداً من القنوات الناطقة بلسانه، فقد نسمع قريباً عن قنوات بولونية ونرويجية وسويدية وحتى كولومبية وفيليبنية وكورية موجهة إليه. لكن أمل تلك الشعوب البعيدة في قناة عربية الهوى، ناطقة بلسانها، سيظل، في الأمد المنظور، مؤجلاً في ظل شغف الرأسمال العربي ب «فضائيات صفراء» على غرار «الصحافة الصفراء».