جميل ومفرح أن تكون للشعر مجلة جديدة، فكيف إذا كانت في شكل «بيت الشعر» ومحتواها؟ كلما صدرت مجلة جديدة عن الشعر يغرق شعراء ونقاد في جدالات عن «مدرسة» نقدية توجّه المجلة، أو «رسالة» تأخذ بيدها وتحكم خياراتها. أعتقد أن أهم ما لمسته في المجلة الجديدة أنها ليست «إبنة» مدرسة ما، وذلك لا يعني بالضرورة أنها ليست حداثية ولا تهدف إلى الاهتمام بشعر الحداثة وحداثة الشعر، بل هي على العكس تماما تكرّس صفحاتها لذلك بالذات. ما أقصده هنا هو أن «بيت الشعر» مثلها مثل «الكرمل» مجلة الشاعر الراحل محمود درويش لم تشأ أن تسجن الحداثة في «قميص» نقدي يضيق عن الشعر مهما ظنّه دعاته واسعاً وفضفاضاً. المذهب النقدي ضيق وإن اتسع. والإبداع الشعري واسع وإن رآه بعضهم ضيقاً، وكلما اتسعت رؤية الشعر ضاقت عبارته، ونضيف: «وضاقت الرؤى النقدية عن الإحاطة بها». «بيت الشعر» في عددها الثاني تحتفل بالشعر إبداعاً ونقداً، لكنني توقفت بالذات أمام اهتمامها بتقديم «ملفات» شعرية تضيء هذه التجربة الشعرية العالمية أو تلك، وهي إذ تفعل ذلك تعيدنا من جديد الى واحدة من المهمات التي نعتبرها بديهية في حياة أية مجلة تصدر للشعر ومن أجله. «بيت الشعر» هي أيضاً «مجلة عربية» بهيئة تحريرها. هذه ليست مسألة شكلية، فهي تعكس توجُهاً ورؤية تعني وحدة الشعر العربي ووحدة مستقبله وتطوره على رغم التنوع بل بالتنوع الذي يغني والذي يعكس فرادات وخصوصيات نراها طبيعية في جنس أدبي وفني يتعلق بالوجدان الإنساني الفردي ويصدر عنه. هو حدث مفرح بالتأكيد، ولكنه بعد ذلك حدث ثقافي كبير وبامتياز لأنه يأتي في زمن تختلط فيه أوراق غياب المجلات الشعرية بأوراق الإنترنت وما فيه من ازدحام يمور بالغث وإن لم نعدم خلاله بالقليل من الثمين. يبقى أن أشير هنا إلى مسألة «شكلية» أراها بالغة الأهمية، هي أن المجلة شهرية. ذلك يعني الكثير، ف «العادة» ظلت طويلاً أن تصدر مجلة كهذه فصلية، وصدورها شهرياً يعني استجابة أوسع لاغتناء الحياة الشعرية وتنوعها، خصوصاً أن العددين الأول والثاني منها حفلا بالكثير من إبداعات الأجيال الجديدة من الشعراء العرب، على ما تعنيه هذه الخطوة من أهمية. «بيت الشعر» تقدّم صفحاتها بيتاً بغرف كثيرة للشعراء العرب.