أحدث حصول الشاب أنور عبادي على أعلى معدل وطني لشهادة البكالوريا 2012 مفاجأة سارة للمغاربة الذين تعودوا على الأسوأ كلما تعلق الأمر بالتعليم ونتائجه المباشرة أو البعيدة المدى. كانت الفضائح المدوية للغش في الامتحانات السنوية الأخيرة لا تزال عالقة في الأذهان، كاشفة عن تدنّ مقلق في قيم التعلم والتحصيل وتطور في العتاد واستراتيجيات النقل، وهي في المحصلة نتيجة منطقية لأزمة قطاع التعليم المغربي. لم يخطر بالبال مثلا أن موقع فايسبوك الذي دُبرت عبره حركات الثورة في الشوارع العربية، وفي المغرب أيضاً، سيخدم كذلك مخططات الغشاشين ويربك عملية المراقبة التي شددت استراتيجيتها هي الأخرى. وبعيداً من استخدامات فايسبوك الثورية إيجاباً وسلباً، وأبعد من ثقافة الغش وأدواتها، تابع أنور دراسته الثانوية في شعبة العلوم الفيزيائية في قرية صغيرة نائية بمحافظة الجديدة (200 كلم جنوب غربي الرباط). كان دائماً متفوقاً، يقضي جل وقته في مراجعة دروسه، وما تبقى منه للعب كرة القدم. بيد أن موعده مع الخروج من القرية المغمورة إلى رحاب الوطن كطالب نموذجي، بل كبطل أيضاً في عيون كثيرين، تحقق بعد اجتيازه الامتحانات الوطنية الموحدة للدورة العادية للبكالوريا بداية يونيو (حزيران) الماضي. حصل أنور (18 سنة)، بكده ونبوغه على معدل 19.28 على 20، ويرجح أنها المرة الأولى في تاريخ البكالوريا المغربية التي يحصد فيها طالب معدلاً عالياً كهذا في شعبة علمية في غاية الصعوبة. ولحسن الحظ أن البكالوريا لا تزال تحتفظ، وإن بعسر بالغ، على شيء من هيبتها التي يفتقدها في الوقت الراهن قطاع التعليم العمومي من مراحله الابتدائية إلى الجامعية، ويجعله بنظر الكثرة مساراً اضطرارياً غير مرغوب سوى في شهاداته كغاية تُدرك من دون كد من أجل مستقبل من دون غد، وإن لم تُدرك، لا حسرة عليها بالتخلي عن مشوار التعليم. حظي أنور، مرافقاً بنائب برلماني عن الجهة التي ينتمي إليها، باستقبال خاص من وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر. خرج من هناك وقد أصبح أشهر من نار على علم كما يقال. يحمل هدية الوزارة، حاسوباً شخصياً سيعفيه من خدمات مقاهي الإنترنت المتردية في قريته وقلة يد أسرته المتواضعة. عتاده المعلوماتي الجديد سيحمله بالتأكيد إلى استكشاف سحر المواقع الاجتماعية، وسيعينه حسن تقديره وجده على استثمار أفضل ما في الحاسوب وفي الإنترنت عموماً. كذلك امتلأ جيبه بمكافأة مالية تزيد قليلاً عن ألفي دولار (20 ألف درهم) أهدتها إياه في المناسبة نفسها إحدى الجمعيات المهتمة بالبحوث والتنمية. خلق الاحتفاء بأنور غيرة إيجابية أعلنت عن وجود متفوقين آخرين في البكالوريا. فقد أظهر ما يشبه تظلماً وُجّه إلى وسائل الإعلام في اتجاه الوزارة أن هاجر قشاني، طالبة من مدينة سلا المجاورة للعاصمة، حصلت على معدل يزيد قليلاً عن معدل أنور في شعبة الفيزياء (19.58). لكن تبين في ما بعد، بتوضيح من الوزارة، أن أنور يبقى الأول في الموسم الدراسي المنتهي، لكون هاجر لم تتفوق في المعدل العام للدورة، ويشمل فضلاً عن الامتحان الوطني الموحد، الامتحان الجهوي والمراقبة المستمرة، بل بزّته فقط في المعدل الوطني للامتحان الموحد الذي يجرى نهاية الدورة. وأعادت هذه المنافسة على المراتب الأولى الروح لقيمة التفوق في الدراسة. وتماماً كما سلط تفوق أنور النور على تفوق هاجر لتخرج بدورها إلى وسائل الإعلام المحلية ويتسع قليلاً أمل المغاربة في التعليم، كشف تظلمها الستار عن 68 سبقوها في المعدل الوطني للامتحان الموحد للبكالوريا، فكانت هي وراءهم في الرتبة 69 على المستوى الوطني. عشرات المتفوقين الآخرين من أسر فقيرة استفادوا من منح تحفيزية سنوية تغطي سنوات التحصيل الجامعي. هذه المبادرة أقدمت عليها السنة الجارية «مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين» وهي تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وتعنى بتحسين الأوضاع الاجتماعية للعاملين في المساجد وأسرهم. مئة من أبناء هؤلاء الحاصلين على معدل عام يفوق 14/20 في البكالوريا حصلوا على منحة دراسية شهرية قيمتها 111 دولاراً يتلقونها علاوة على منحة وزارة التعليم، وذلك لمدة 5 سنوات ابتداء من الموسم الدراسي 2011-2012. وعلى رغم الأزمة التي يعلق فيها قطاع التعليم المغربي منذ الثمانينات إلى اليوم، تفتح مبادرات من هذا النوع أفقاً لاستعادة الثقة يبدو مخرجاً وحيداً أمام الطلاب لضمان عدم التعثر في المستقبل. هذا الأفق ترسمه قيمة التفوق القصوى في الدراسة. وربما حان الوقت، ليخترق الجهد الشخصي والجاد للطلاب المغاربة أزمة التعليم الكابسة على مستقبلهم من عقود.