بدا الأمر كأنه ضربة حظ غير متوقّعة حين اتصل «المكتب القومي (الأميركي) للاستطلاع» National Reconnaissance Office ، قبل قرابة السنة، ب «وكالة الفضاء والطيران الأميركية» («ناسا») ليخبرها أن باستطاعته أن يهبها تلسكوبين ضخمين، لم يعدا مهمين للمكتب. ولأن المكتب يدير أسطولاً ضخماً من الأقمار الاصطناعية المتخصصة في التجسس لمصلحة الأمن القومي الأميركي، عرفت «ناسا» فوراً أنها تحصل على تلسكوبات متطوّرة. وعلى رغم هذا، فإن ما حصلت عليه «ناسا» فاق أفضل توقّعاتها. إذ قدّم المكتب لها تلسكوبين كل منهما بحجم تلسكوب «هابل» الفضائي وبمثل قدراته، لكن «المكتب القومي للاستطلاع» أدارهما إلى الأسفل كي يراقبا الأرض، بدلاً من أن تكون عدساتهما موجهة إلى السماء، كحال «هابل». وخلال الشهور الماضية، عملت وكالة «ناسا» على تشكيل فريق متخصّص يتألف من مجموعة صغيرة من علماء الفلك، وأسندت إليه مهمة التصرّف بهذين التلسكوبين. ترأس هذا الفريق جون غرانسفيلد، وهو رائد فضاء سابق وعالِم متخصص في الفيزياء. وعكف الفريق على تطوير خطة أولية لاستعمال التلسكوبين في مهمات تتفق مع أعمال استكشاف الفضاء التي تتولاها «ناسا». واستفاد الفريق من تقرير علمي أعدّته «الأكاديمية الوطنية (الأميركية) للعلوم» National Academy of Sciences، عنوانه «آفاق جديدة، عوالم جديدة». واتجه رأي الفريق إلى جعل هذين التلسكوبين مُكوّناً أساسياً في مشروع يحمل اسم «تلسكوب الأشعة تحت الحمراء للمسح الشامل»Wide Field InfraRed Survey Telescope، واختصاراً «وي فرست» WFIRST. عدسات ومهمات وصيانة أدخل هذا الفريق تعديلات على تركيب التلسكوبين وتصميمهما، كي يتوافقا مع انتقالهما من مراقبة الأرض من الفضاء إلى دراسة الطاقة المظلمة، والكواكب الواقعة خارج النظام الشمسي، والإجابة عن مجموعة أسئلة أخرى في مجال علم الفلك، وهي المهمات الأساسية المناطة بمشروع «وي فرست». ويعتبر هذا المشروع أساسياً في عمل «ناسا» حاضراً، إذ خصصت له 1.5 بليون دولار. وفي البداية، اتجه تفكير علماء «ناسا» لحصر هذا المشروع بمهمة مفردة هي دراسة الطاقة المظلمة التي ما زالت حقلاً علمياً مجهولاً إلى حدّ كبير. وتطوّرت مهمته تدريجاً لتشمل مراقبة الكواكب السيّارة المُكتشفة خارج نظامنا الشمسي، ويُشار إليها بمصطلح «إكزو بلانيتس» Exoplanets. وأدت العراقيل الإدارية والنقاشات المتواصلة حول الموازنة إلى مزيد من التوسّع في مهمة «وي فرست»، لكنها لم تنجه من شبح الانهيار، بمعنى إلغائه أو تأجيله إلى ما بعد منتصف عشرينات القرن الحادي والعشرين. وأنعشت هدية «مكتب الاستطلاع القومي»، أي هبته تلسكوبين متطوّرين لوكالة «ناسا»، الآمال بأن يصبح مشروع «وي فرست» قابلاً للاستدامة. ويمكث التلسكوبان حالياً في غرفة نظيفة في روتشستر بولاية نيويورك، ويكلف حفظهما وكالة «ناسا» نحو 100 ألف دولار سنوياً. ويملك كل منهما عدسة ضخمة بقياس 92 إنشاً، توازي تلك التي يمتلكها «هابل». وفي المقابل، فقد صُممت العدستان، خصوصاً عبر التحكّم بمدى بؤرتهما، كي تركّزا على أهداف قريبة، مثل رصد الأرض من مدار ثابت في الفضاء. وبات على علماء «ناسا» إحداث تغيير أساسي في هذا الأمر، إضافة إلى مجموعة كبيرة من التبديلات في معدات التلسكوبين. وفي حديث نشرته «نيويورك تايمز»، أعرب بول هيرتز، مدير قسم الفيزياء الفلكية في وكالة «ناسا» عن قناعته بأن معظم مسؤولي «ناسا» يرون أن التلسكوبين، بقدرتهما القوية على الرصد والاستطلاع، فتحا آفاقاً لم تكن متوقّعة أمام مشروع «وي فرست». في المقابل، أوردت الصحيفة عينها أن بعض مسؤولي «ناسا» حذروا من عواقب التضخم المحتمل في موازنة مشروع «وي فرست»، بفعل الأكلاف المحتملة لإعادة تصميم التلسكوبين وإطلاقهما إلى الفضاء مجدداً، مشيرين إلى أن هذا الأمر قد يجدد النقاش حول الجدوى الفعلية من مشروع «وي فرست».