بلغت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل الشهر الماضي عامها الستين، وأخذ الاحتفال بعيد ميلادها في 17 تموز (يوليو) أبعاداً اجتماعية وسياسية، لما له من تأثير مباشر في المجتمع الألماني، إذ قررت المستشارة إنهاء خدمتها وإحالة نفسها إلى التقاعد بعد ثلاث سنوات. دخلت مركل عالم السياسة مبكراً، وكان لقبها «طفلة كول»، هيلموت كول المستشار المسن الذي شجعها وساندها خلال بداياتها. ولطالما عرض التلفزيون الألماني مسيرة مركل السياسية، وعثراتها في هذا الاحتفال أو ذاك، وأحياناً عدم إتقانها التصرفات التي يقتضيها البروتوكول في بداية حياتها السياسية. وحتى الآن، يمكن القول إنها ليست المرأة الحديد، ولا تريد أن تكون كذلك، فهي تتميز بصوت منخفض ولكنه مسموع، فقليلاً ما يعلو عن الحد الطبيعي. ترتدي ثياباً لا تجاري فيها الموضة، ولا تقترب من الحداثة بأي طريقة. هندامها لا يختلف عن طريقة لبس آلاف السيدات الألمانيات العاديات، ويعلق ألمان كثر على هذا بالقول إن مركل ليس لديها وقت لشراء ثياب جديدة، ولا تزال ترتدي ثياباً معلقة من عشر سنوات في خزانتها. في الشتاء الماضي وخلال إجازتها الشتوية، كسرت رجلها وهي تتزلج، وتبين أن المزلجة التي تستخدمها عمرها 12 سنة، فعلى رغم أنها تهوى التزلج هي لا تقتني إلا مزلجة واحدة بات عمرها 12 سنة! كيف أحبها الألمان؟ نجحت مركل وحزبها «الاتحاد الديموقراطي المسيحي» في ثلاث دورات انتخابية، مدة كل منها 4 سنوات، في الفوز بمنصب المستشارة، لتحقق بذلك أطول فترة حكم نسائية في تاريخ ألمانيا وقد تكون الأخيرة، فاحتمال أن تصل سيدة أخرى إلى هذا المنصب وتحافظ عليه ثلاث ولايات انتخابية ضئيل للغاية. خلال فترة حكم مركل مرت ألمانيا وأوروبا بأزمات عدة أبرزها أزمة اليورو التي كانت أضرارها أقل على ألمانيا، وأزمات عالمية، آخرها أزمة تجسس الاستخبارات الأميركية على هاتف مركل الشخصي، ورموز وشخصيات أخرى في ألمانيا، والتي علقت عليها المستشارة بالقول: «إن التجسس على هاتفي هو أصغر جزء من المشكلة، ولكننا سنحافظ على علاقتنا بالولايات المتحدة، وسنحاول أن نجد حلّاً»، الأمر ربما يكون عصا مركل السحرية التي جعلت الألمان يثقون بها، على مدار السنوات التي حكمت، إضافة إلى تحسّن مستوى معيشة الناس والشعور بالاستقرار، وزيادة فرص العمل، الأمر الأهم في حياة الألمان. وأحسنت مركل إدارة البلاد بهدوء حتى تمكنت من جعل المعارضين لها يجدون صعوبة في رصد أخطاء قاتلة ضدها، وكأن لسان حالهم يقول: «ما هو الحل الممكن غير الذي قدمته مركل؟». فهي قد لا تختار الأفضل، لكنها بالتأكيد لن تفعل الأسوأ. في تلك المنطقة ثبتت قدميها، ونجحت في كسب شعبية واسعة لها ولحزبها. ماذا بعد مركل؟ هل قوة حضور مركل وحسن إدارتها جعلا ألمانيا تعجز عن إنتاج الأفضل، أو على الأقل من هو في مستواها؟ هذا هو السؤال المطروح اليوم. فمركل تستطيع أن تتقاعد بعد ثلاث سنوات وفق القانون الجديد، فهل ستتقاعد؟ ولمن ستترك هذا المكان الذي أصبح مسؤولية مضاعفة على صاحبه، فكل ما سيفعله سيقارن بما فعلته مركل وحزبها، حتى ليصبح «بعد مركل وقبل مركل» مصطلحاً ألمانياً خاصاً له مكانته في تاريخ البلاد.