منيرة امرأة ولدت وتعيش كل حياتها في مجتمع «العجائب»، يعني تعيش على عادات وتقاليد مجتمعها، فكان من السهل عليها أن تتأقلم على هذه التقاليد، عاشت طفولتها بكل براءة وسعادة، دخلت منيرة المدرسة وتعلمت أشياء كثيرة، خصوصاً في مسجد المدرسة الثانوية، فكان نشيطاً وفيه محاضرات تلقيها الطالبات وحلقات قرآن... منيرة نجحت في الثانوية العامة بعمر «18 عاماً» وذهبت لتقديم أوراقها للجامعة، وقبلت، وبدأت الدراسة، وأعطيت كل طالبة بطاقة فيها اسم السائق الذي ترجع معه بنهاية الدوام. كانت تتوقع أن عمر «18 عاماً» ودخولها الجامعة كفيلان بأن يجعلا المجتمع يعاملها كامرأة راشدة وتعامل بثقة، ويجعل باب الجامعة غير مغلق بالأقفال، لكن تفاجأت بأنها في مجتمعها، لن تكون راشدة حتى لو وصلت ل«70 عاماً»... وأنظمة الجامعة تستدعي قفل الباب إلى نهاية الدوام ولا تخرج أي طالبة أثناء الدوام إلا بموافقة ولي الأمر وورقة من شؤون الطالبات، فهي درة مكنونة يجب أن يحافظوا عليها، فهي لا تستطيع المحافظة على نفسها... فمرات يصيبها تعب أثناء الدوام وتريد أن ترجع للبيت لا تستطيع بسهولة فتذهب إلى شؤون الطالبات، وإذا وافقوا أعطوها ورقة للخروج، وأحياناً لا يسمحون، فأمر الخروج بنظام... منيرة تستمتع بالذهاب للجامعة حتى تجتمع مع صديقاتها وتعتبر الجامعة متنفساً لها لأن أهلها لا يسمحون لها بزيارة صديقاتها خوفاً عليها. تزوجت منيرة بآخر «تيرم» في الجامعة، وحملت منيرة بابنها... وتخرجت وكانت غير متفقة مع زوجها، وبينهما خلافات، واكتشفت أنه مدمن، وأسرعت للتقديم على وظيفة حكومية لكن زوجها كان محدداً لها وظيفة في مدرسة وإلا الجلوس في البيت، «وما يبغاها تقدم إلا في مجال المدارس»... وافقت وقدمت على المدارس ولم توفق بوظيفة في مدرسة... وأنجبت ابنها، انتظرت أربعة أعوام، ولكن لم توجد أي بوادر للوظيفة، وبدأت في التقديم على المدارس الأهلية براتب زهيد، فلم يوافقوا عليها لأنهم يطلبون منها الخبرة، ومن أين تأتي بالخبرة، بعدها قدمت في إحدى الشركات، واتصلوا عليها لعمل المقابلة الشخصية، ونجحت في المقابلة الشخصية، لكنهم أعطوها ملاحظة بخصوص العمل أنه فيه اختلاط غير مباشر، يعني راح يكون فيه اجتماع للمدير مع القسم كله نهاية كل شهر، وافقت على مضض، فطلبوا منها إحضار موافقة ولي الأمر... موافقة ولي الأمر في كل ما يخص المرأة من خصوصيات مجتمع العجائب. أخبرت زوجها عن حصولها على وظيفة في الشركة وأنها تستدعي موافقته حتى يتم توقيع العقد، فرفض مجرد النقاش في الموضوع، حاولت إقناعه بشتى الطرق فلم يوافق... فاعتذرت عن الوظيفة، ومع تكرار المشكلات بينها وبين زوجها، ووصولها لطريق مسدود، طلبت الطلاق، فرفض زوجها وتركت البيت، وأخذت معها ابنها، ولم تستطع أن تحصل على الطلاق، وعندما ذهبت إلى المحكمة، أعطوها موعداً لتحضر هي وزوجها وتم استدعاؤه، وفي يوم الموعد ذهبت إلى المحكمة ولم يحضر الزوج، فأعطوها موعداً آخر بعد ثلاثة أشهر وتم استدعاء الزوج، وذهبت ولم يحضر. وهذا الوضع طبيعي في مجتمع العجائب، فزوجها هو صاحب القرار ويعيش حراً طليقاً، فالقانون والقاضي في صفه، ولا يوجد قانون رادع للزوج ولأمثاله، فالمحكمة لا يوجد عندها قانون إلزامي لاستدعاء زوجها من عمله، وألا يتم تجميد راتبه، ولا تحرمه من السفر أو تضع اسمه في القائمه السوداء، ومنيرة تعيش الشهور والسنوات في التردد على المحاكم. وفي يوم من الأيام قررت أن تحصل على بطاقة أحوال، وذهبت باكراً ومعها صورة من دفتر العائلة وصور منها فشيّكت الموظفة على أوراقها وطلبت منها حضور ولي أمرها، وكيف يحضر وهي معلقة؟ وفي إحدى العطلات الصيفية قرر أهل منيرة السفر إلى إحدى الدول الأوروبية وبدأت بالاستعداد للسفر وتجديد الجواز، وعرفت أنه لن تستطيع أن تسافر إلا بحصولها على البطاقة الصفراء، يوقع عليها ولي أمرها أنه موافق على السفر وهذه البطاقة الصفراء عند «الجوازات السعودية» براءة اختراعها، ولا أحد يعرفها أو سمع عنها في البلدان الأخرى، وولي أمرها هو زوجها وليس أباها أو أحد أخوانها، وإلا تُمنع من السفر خارج البلاد، كالمجرم الذي يُمنع من السفر والتنقل بحرية... حاولت أن تتصل بزوجها ليوقع لها على البطاقة فلم يرد عليها وقرب موعد السفر ازداد توترها... وفي المطار كانت هي وأمها وأخواتها وأخوها، وعند الدخول لصالة الرحلات تم التشييك عليهم وطلبوا منهم البطاقة الصفراء فسلموها للموظف، أما هي فتوقعت أن وجود أخيها ممكن أن يُغني عن البطاقة الصفراء، فلما أتى دورها طلب منها الموظف البطاقة الصفراء فأخبرته بأنه لا يوجد معها وأن أخيها معها، فرفض الموظف وطلب حضور الزوج لكي تركب الطائرة، صرخت وبكت ولم تفلح محاولاتها، فالموظف معذور ويطبق النظام، والنظام يعتبر المرأة قاصراً ولا يعطيها صلاحيات تدبير شؤونها، بل ولي أمرها حتى لو كان مدمناً هو الذي يتولى شؤونها، والقانون يقول : لابد من وجود ولي للمرأة لتستطيع أن تعيش، والولي ممكن يكون ابنها المراهق، أو أي رجل من محارمها، أهم شيء وجود رجل يتصرف بدلاً منها. وأقلعت الطائره بدونهم. بعدها عرفت منيرة قطعياً أنها بنظر القانون امرأة غير راشدة وتُعامل معاملة القصر. [email protected]