بعد فترة من المراوغة في تأجيل اعلان نتائج انتخابات الرئاسة المصرية، سعياً من المجلس العسكري لإنجاح مرشحه احمد شفيق، يمكن القول ان مصر اجتازت مرحلة من الصراع كان يمكن له ان يحوّل مصر الى جزائر اخرى. في العام 1992 نجحت التيارات الاسلامية في الانتخابات التشريعية في الجزائر، لكن العسكر انقلبوا على هذه النتائج، مما ادخل البلاد في حرب اهلية قاسية كانت أشد هولاً في خسائرها ودمارها من حرب التحرير. لكن نجاح مرشح الإخوان يجب النظر اليه على انه المرحلة السهلة من مسار الانتفاضة المصرية، لتدخل بعدها مصر في وضع جديد، لن يكون بعيداً اتضاح معالمه. لم يكن لمحمد مرسي ان ينجح في الانتخابات الرئاسية لو لم تتدخل عوامل قاهرة أجبرت عدداً من التيارات غير المتوافقة مع فكر وسياسة الاخوان المسلمين على تأييده. كان انحصار المعركة بين مرسي واحمد شفيق المعتبر بأنه مرشح المجلس العسكري، قد وضع المصريين امام خيار «السيئ والأسوأ». لم يكن مجافياً للواقع ان تدفع التيارات السياسية بمعركة اسقاط رأس النظام الذي تحقق بإزاحة حسني مبارك، نحو استكمال هذه المعركة في منع «مبارك آخر» للعودة الى حكم مصر. احد الدروس الواضحة تكمن في اهمية ان يعي الإخوان المسلمون انهم لم ينجحوا بفضل قوتهم الذاتية على غرار ما جرى في الانتخابات النيابية، مما يعني مخاطر ركوبهم وهم الاستئثار بالسلطة واقصاء التيارات الاخرى. كما انه من المهم ان تعي التيارات المدنية والديموقراطية التي نزلت بقوة لإسقاط احمد شفيق، انهم شركاء في الانتصار الإخواني، وان من حقهم ترجمة ذلك في المشاركة في السلطة وصنع القرار. من جهة ثانية، من الضروري التحصّن بسوء الظن بكل من المجلس العسكري والاخوان المسلمين، من عقد صفقة سياسية يتقاسم فيها الطرفان السلطة، ويجري بموجبها اقصاء سائر التيارات السياسية التي لا تكن ودّاً للمجلس العسكري او للاخوان. ان تجربة الاخوان المسلمين مع الانتفاضة منذ قيامها قبل عام ونصف عام، والأساليب الملتوية التي اعتمدتها سواء في طعن قوى الانتفاضة بالظهر، او في التفاهمات الضمنية مع المجلس العسكري، تدفع الى الشكوك في المسلك القادم، يعززها الممارسات التي سلكها الاخوان بعد نجاحاتهم في الانتخابات التشريعية والتعطش الى شهوة السلطة واقصاء الآخرين. يزيد من الشكوك ان الاخوان يحملون فكراً سياسياً وايديلوجياً أساسه عدم الاعتراف بالآخر، وسيادة مفاهيم التخوين والتكفير لكل من يخالفهم الرأي وحتى في الموقف السياسي. بعد انتهاء مرحلة من الانتفاضة، تقف القوى السياسية التي شاركت فيها امام تحدي الوضع القادم. تحتاج هذه القوى الى مراجعة فعلية لمسار عام ونصف عام، من مراجعة الشعارات الى التحالفات الى الممارسات، مراجعة تعمل مبضع النقد والنقد الذاتي، سبيلاً الى التهيؤ للمرحلة القادمة. في هذا المجال، يبدو التحدي الاكبر مطروحاً في وجه القوى الشبابية التي لعبت دوراً مركزياً في اطلاق الانتفاضة، لجهة ضرورة بناء قواها على الارض، وتجاوز التجمعات المليونية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومغادرة البكائية عن سرقة الثورة... هذه القوى مطلوب منها وعي طبيعة المعركة المقبلة التي ستقف امامها القوى السياسية المصرية في وجه الحلف غير المقدس الذي سينشأ بين المجلس العسكري والاخوان المسلمين. ستندلع في مصر معركة بدت مؤجلة خلال العام والنصف الماضي، وهي المعركة الاجتماعية المتصلة بمواجهة الفقر والمجاعة ومطلب تحسين المعيشة وانقاذ الوضع الاقتصادي... وهي معركة تهم جميع فئات الشعب المصري. لن يقدم برنامج الاخوان المسلمين حلاً لهذه المعضلات، كما لا يقع في فكر المجلس العسكري وسياساته وجود برنامج اصلاحي شامل. ستندلع الاحتجاجات والمطالبات، او سيجري التعبير عنها بالنزول الى الشارع بعد فترة غير قصيرة، وامام العجز عن الاستجابة للاصلاح وحل المشاكل، لن يجد الاخوان المسلمون ومعهم العسكريتاريا سوى استخدام القمع والبطش والاعتقالات، اضافة الى الحد من الحريات الفكرية والسياسية وسيلة لوضع حد للحراك المتجدد (على غرار ما يجري في تونس اليوم). في المقابل، سيكون مطروحاً على قوى المعارضة تحدي التقاط نبض الشارع والانخراط في المعركة الاجتماعية والمطلبية، وسيشكل هذا الانخراط امتحاناً لمدى مغادرتها الشعارية، واختباراً لاهليتها في بناء قواها على الارض من خلال المشاركة في قيادة هذه «الانتفاضات المتجددة»، هذه المرة على قاعدة التغيير الحقيقي. اجتازت مصر محطة غير بسيطة في افشال تزوير الانتخابات، واسقاط رأس النظام، لكن المعركة الأكبر هي في تغيير النظام المصري، بما هو مؤسسات وادارات وبنى متكلسة منذ عشرات السنين. فهل تعي القوى السياسية ان ما تردد عن قيام ثورة واسقاط النظام لم يكن سوى البداية الاولى في المعركة الطويلة لهذا التغيير؟ على هذا الوعي ستترتب نتائج تحدد مصير مصر في المرحلة القادمة، وما اذا كانت سائرة في طريق التغيير ام انها ستؤسس لنظام جديد سيكون نسخة اخرى عن نظام حسني مبارك بأدوات وقوى اخرى؟ * كاتب لبناني