سألت مواطناً كويتياً التقيته في جنيف: هل تذهب هذا الصيف كعادتك إلى لبنان؟ رد قائلاً «لماذا ازور لبنان وليس هناك امن وأصبحت الحياة فيه غالية؟» وقال مواطن من بلد خليجي آخر يمضي إجازته متجولاً مع عائلته في اجمل المدن السويسرية وجبالها من غشتاد إلى مونترو ولوزان :هكذا يجب أن يكون لبنان. وزير خليجي آخر كان تقليدياً يمضي منذ صغره كل إجازاته مع عائلته في لبنان يتأسف ويحزن على ما يحدث من أوضاع أمنية متدهورة ومن أقوال مسؤولين لبنانيين حول حالة «السياحة الجيدة» في لبنان وواقع مأسوي لوضع هذا القطاع. فقد تعرض بعض المواطنين الخليجيين الأبرياء إلى معاملة أمنية بإيحاء من النظام السوري وبعض المسؤولين الأمنيين اللبنانيين تورطوا في أعمال لخدمة النظام السوري الحليف. فمسكين لبنان ومدنه وجبله وفنادقه ومهرجاناته. هجرته السياحة العربية قبل بداية شهر رمضان المبارك كما ستهجره في عيد الفطر عندما كان مواطنو الدول الخليجية يزورونه سنوياً. والآن أعلنت وزارة الخارجية السعودية عن تحذير مواطنيها من زيارة لبنان خوفاً على سلامتهم من تداعيات الأوضاع السورية. فمن شأن هذا التحذير أن يكمل حلقة الخسارة الكبرى للبنان نتيجة تضامن بعض القوى النافذة في الحكم فيه مع النظام «الشقيق» في سورية. فحكاية النأي بالنفس للوضع اللبناني هي أسطورة. ورغم زيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى السعودية ومحاولات تطمينه وتطمين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الدول الخليجية حول تحييد لبنان عما يجري في سورية كان حرص المسؤولين في دول الخليج وخصوصاً حرص المملكة على سلامة مواطنيها أقوى من الأخذ بتطمينات رئيسي جمهورية وحكومة لبنان اللذين لديهما من دون شك نية بأن يكون لبنان منتعشاً وعامراً ولكنهما عاجزان عن ضمان ذلك لأن النفوذ الأمني في مكان آخر. فالدوريات الأمنية الرسمية ممنوعة عن القيام بعملها في الضاحية الجنوبية من بيروت. والجيش السوري يخرق يومياً حدود لبنان خاطفاً لبنانيين والرئيسان ينددان بذلك ولكن لا يمكنهما القيام بشيء. ورغم ذلك يقال إن لبنان ينأى بنفسه! فعندما دخلت طائرة «الفانتوم» العسكرية التركية الأجواء السورية لدقائق وخرجت منها أسقطها الدفاع الجوي السوري (أو الروسي على الأرض السورية) بحجة الدفاع عن سيادة سورية. ماذا عن سيادة لبنان ونحن نشهد كل يوم خروق الجيش السوري عبر الحدود؟ من أوقف هذه الخروق وهل تعرضت يوماً القوات السورية إلى رد لبنان «النائي بنفسه»؟ مسكين لبنان. إن من حظه أن بعض الدول الغربية النافذة مثل فرنسا تتفهم وضعه رغم الوضع الداخلي الحكومي المأسوي فيه. ففرنسا سترحب باهتمام بالرئيس سليمان الأسبوع المقبل عندما سيزور رئيسها الجديد فرانسوا هولاند. وقال عدد من المسؤولين إنها زيارة مهمة في الظروف الحالية السائدة بين فرنسا والنظام السوري. وفرنسا تريد تشجيع وتعزيز وضع الرئيس اللبناني في هذه الظروف. كذلك الاتصال الهاتفي الذي جرى بين وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ورئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي في الإطار نفسه. وتحرص باريس على إظهار اهتمامها بلبنان وأمنه وعلى ألا تربط بين سياستها إزاء النظام السوري ولبنان الرسمي الذي تريده مستقلاً. إلا أن الجميع في فرنسا على علم بتفاصيل الوضع في لبنان فهولاند وفابيوس اضافة إلى انهما زارا لبنان يعرفان تفاصيل وضعه من الديبلوماسيين المحيطين بهم. فمدير مكتب فابيوس السفير ديني بييتون انتقل من منصب سفير في لبنان إلى عمله الحالي، ومدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الجديد السفير جان فرناسوا جيرو عمل مستشاراً للرئيس الديغولي السابق جاك شيراك المعروف باهتمامه بلبنان وفي القصر الرئاسي المسؤول عن الملف ديبلوماسي مستشرق هو ايمانويل بون الذي يعرف لبنان جيداً اضافة إلى أن السفير الفرنسي في لبنان باتريس باولي كان مدير الشرق الأوسط في الخارجية ويعرف تفاصيل ظروف لبنان الإقليمية. فرغم هشاشة وضع لبنان وضعف موقع المسؤولين فيه إزاء النظام السوري وحليفه «حزب الله» وآخرين من حلفاء النظام السوري هناك من يريد مساعدة لبنان في هذا الظرف. ورغم ذلك فإن ارتباط الحكومة اللبنانية بالنظام السوري يقتل السياحة العربية في لبنان ويزيد اقتصاده تأزماً وصعوبة. وكل ما نسمعه من مواطنين لبنانيين شباب انهم يريدون الهجرة ومغادرة البلد. فهم لا يتحملون كل الطبقة السياسية فيه والوضع المتأزم بين المسؤولين وانقساماتهم. فاللبناني العاقل توقف عن متابعة الأوضاع داخل الحكومة وبين السياسيين وملّ من استهتارهم بمصالح شعب سئم من السياسيين والفساد وعدم الاهتمام بمستقبل أبنائه. فلبنان بحاجة ماسة إلى ربيع حقيقي من اجل أجياله الصاعدة إذ إن كل قطاعاته تراجعت وليس فقط السياحة بل الأهم التربية والتعليم والبيئة وكل ما يساهم في تقدم البلد. فكثيراً ما نرى لبنانيين ينجحون ويتفوقون في الخارج في بلدان تعطيهم فرصة النجاح في حين أن بلدهم يفتقر إليها لسوء حظه.