سنتان تفصلان العالم عن مونديال 2014 الذي سيقام في البرازيل للمرة الثانية، المرة الأولى كانت في 1950. الحدث الذي يقام كل أربع سنوات والذي تنظمه الفيفا بالتعاون مع البلد المضيف، يجذب اهتمام العالم أجمع ويعد أضخم حدث رياضي. الحدث بحد ذاته إضافة إلى المهرجانات والإحتفالات والحملات الترويجية التي تقام بالتزامن معه لا تتيح فرصة لكل المهتمين به للإلتفات إلى التفاصيل التي تحيط به والإستعداد له، فالحماسة والشوق والإنتظار لمشاهدة مباراة ما، تجعل من تلك التفاصيل أقل شأناً مقارنة بضخامة المباراة والحدث نفسه. إلا أن الكثيرين من مترقبي هذا الحدث، يجهلون أو يتجاهلون عن قصد، أن مباريات كأس العالم وكأس أمم أوروبا - وهو ثاني أضخم حدث في عالم كرة القدم - والاولمبياد، ليست مجرد أحداث رياضية محضة، بل تدخل فيها الضغوط السياسية والإقتصادية، في لعبةٍ تتقن الفيفا واللجنات المنظمة لهذه المناسبات الرياضية لعبها, فلاستضافة الحدث تضع الفيفا واللجنات المنظمة معايير موحدة من حيث التنظيم وتوفير البنى التحتية اللازمة لتسهيل تنقل المشجعين وضمان الامن والاستقرار عدا عن الملاعب وعددها واستيفائها للشروط الدولية، الامر الذي يرتب على البلد المضيف كلفة باهظة، تنجو منه عادةً البلدان المتقدمة نتيجة توافر هذه الشروط مسبقاً فيها، أما البلدان الفقيرة والنامية فقد تقع بين الرغبة في التفرد بالحدث والترويج لنفسها، وبين الإبتزاز السياسي والإقتصادي عبر التهديد بحرمانها من فرصة استضافته وهو الامر الذي يطرح تساؤلات حول الظلم الذي يطاول هذه البلدان نتيجة احادية المعايير. منذ بضعة أشهر، شن الأمين العام للإتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" جيروم فالكه هجوماً شديداً على إستعدادات البرازيل لإستضافة كأس العالم 2014 قائلاً إنه "لا يحدث الكثير من التقدم وإن المنظمين هناك يجب عليهم الإسراع في العمل". فالكه انتقد أيضاً البرازيل على عدم بناء عدد كاف من الفنادق لاستقبال المشجعين الأجانب، ففي ساو باولو وريو دي جانيرو المنطقة مؤهلة لاستقبال السياح أما في سلفادور حيث يوجد إستاد يتسع ل60 ألف متفرج فالمنطقة غير مؤهلة لاستقبال 24% من مشجعي البلدان المتنافسة بحيث تقسم البطاقات مناصفة بين مواطني البلدين لتشجيع فريقيهم. البرازيل من جهتها، ردت على الانتقادات بلسان وزير الرياضة المكلف الإشراف على التحضيرات، الدو ريبيلو، فإعتبر أن "الأولوية للبرازيل هو أن يتمكن السكان الأصليين من الهنود والعائلات صاحبة الدخل المنخفض من حضور المباريات" ربما لمنع تكرار ما حصل في مونديال 2010 في جنوب أفريقيا، حيث لم يتمكن المواطنون من مشاهدة المباريات، فمن أصل 3 مليون بطاقة، كانت مئة ألف فقط من نصيبهم إذ إن كلفة التذكرة الرسمية تراوحت بين 55-275 يورو، بينما يعيش ربع السكان هناك على دولار في اليوم مما يفسر الفراغات التي شوهدت في الملاعب حينها. الهجوم الذي شنته الفيفا على البرازيل دفعت ايضاً بمهاجم منتخب البرازيل السابق، وعضو الكونغرس البرازيلي روماريو، بالقول إن طلبات الفيفا تمثل تحدياً لسيادة البرازيل. إتهام البرازيل للفيفا بانتهاك السيادة البرازيلية، على الرغم من أن الإتهام يستخدم عادة في الصراعات السياسية، قد يبدو غريباً بعض الشيء إلا أن التدقيق ببعض التفاصيل والأحداث التي جرت في البلدان التي استضافت كأس العالم في كرة القدم يؤكد صحة هذا الاتهام. فعلى سبيل المثال في مونديال 2010 الذي أقيم في جنوب أفريقيا لم يكن الفريق الجنوب أفريقي انذاك الخاسر الوحيد في المنافسة بعد خروجه من الدورة الأولى، بل تشارك البلد باقتصاده ومجتمعه الخسارة المرة. فكانت كلفة المونديال على إقتصاد جنوب أفريقيا 4,1 مليار دولار، وهو رقم قياسي في تاريخ كؤوس العالم، فقد بنيت خمسة ملاعب جديدة لن تستعمل بعد المونديال على الإطلاق، فملعب النقطة الخضراء في كيب تاون بني ليتسع 65000 متفرج وكلف 580 مليون دولار علماً بأنه كان بالإمكان تجهيز ملعب أولن للروغبي، إلا أن الفيفا رفضت الأمر في أحد تقاريرها، مبررةً أن المشاهدين لا يريدون رؤية هذا القدر من الأكواخ والفقر التي تحيط بالملعب. إضافة إلى ذلك بني إستاد مبومبلا في مدينة نلسبرويت بعد هدم مدرستين وحيدتين في تلك المنطقة وأجبر التلاميذ على إكمال دراستهم في مستوعباتٍ حديدية. أما ملعب موسي مبهيدا الذي يتسع ل70000 متفرج فكلف 380 مليون دولار، حيث طلبت الفيفا بضرب طوق أمني بحجم 1,5 كيلومتر لمنع الفقراء من الإقتراب. الشروط التي تفرضها الفيفا تتعدى ذلك،فلم تكن جنوب أفريقيا الدولة الوحيدة التي اضطرت الى أخذ مثل هذه الاجراءات بهدف تلبية مطالب الفيفا، ففي أولمبياد 1988 دفعت عاصمة كوريا الجنوبية الى تهجير أكثر من 700000 شخص من مناطقهم بهدف تجهيز سيول، لإستضافة الحدث، و لم تحتج إلى إستخدام كل الملاعب حتى عام 2002 حين استضافت المونديال. وفي أولمبياد بكين 2008 وصل رقم المهجرين إلى 1.5 مليون شخص. الفيفا والضغط السياسي في 8 حزيران (يونيو) الماضي، بدأت منافسة أمم أوروبا في كرة القدم والتي تستضيفها مناصفةً كل من أوكرانيا، وبولندا، في حدث تاريخي يتمثل بإستضافة دولتين في أوروبا الشرقية المنافسة للمرة الأولى في التاريخ. العراقيل العديدة التي وضعتها الفيفا أمام الدولتين، بحجة ضعف البنية التحتية وقدرتها على إستقبال الحدث نظراً لقدمها وعدم تطويرها بشكل كبير منذ العهد السوفياتي، لم يحل دون استضافة الحدث بعد أن قامت الدولتان بتطبيق كل الشروط التي فرضتها الفيفا على البلدين، وقد وصلت كلفة التجهيز في البلدين الى 14 مليار دولار، بين بناء ملاعب جديدة وتحديث طرق وتجهيز مطارات لإستقبال أكثر من 800.000 شخص. الذريعة والتبريرات التي تقدمها الدول المتلهفة لإستضافة هذه المناسبات، لصرف هذه المبالغ الضخمة، تستند في معظم الأحيان الى إعتبار أن البلد سيستفيد من إرتفاع عدد السياح خلال هذا الشهر والأموال التي ستدار على البلد ناهيك عن تطوير البنى التحتية التي سيستفيد منها مواطنو البلد بعد إنتهاء الحدث. إلا أنه واستناداً إلى النتائج الإقتصادية السلبية التي نتجت عن استضافة بلدان أخرى لهذه المناسبات، يثبت العكس. ففي جنوب أفريقيا كلف مطار شاكا الدولي الذي بني خصيصاً لإستقبال السياح حوالي 1,1 مليار (بليون) دولار، ولن يبقى له حاجة بعد إنتهاء الحدث. إضافة إلى ذلك يشير عدد من التقارير الإقتصادية الى أنه منذ بدء التحضيرات في جنوب أفريقيا خسر أكثر من مليون عامل وظائفهم بعد أن صرفت الحكومة الأموال في التحضيرات. في وقت اوصل العجز المالي إلى 80 مليار دولار. كما أن الذريعة المقدمة حول أن هذا الحدث يوفر فرص عمل للكثيرين يدحضه الإضراب الذي نفذه عمال ملعب دوربن بعد مباراة ألمانية أستراليا إحتجاجاً على عدم دفع راتبهم (20 دولار)، إضافة إلى إضراب ألفي عامل في ملعب مدينة جوهانسبورغ قبيل مباراة برازيل وكورية الشمالية. ثم إن النفقات المدفوعة كادت تتسب بإنهيار العملة الجنوب افرقيا (الراند) للمرة السادسة على التوالي. منظمة غير ربحية ثم ان الفيفا التي تعرف عن نفسها في سويسرا انها مؤسسة لا تتوخى الربح، تمكنت من تحويل اللعبة الى صناعة عالمية تدر لها الارباح الهائلة. ففي الألعاب الأولمبية التي اقيمت في 2004 في أثينا وصلت الكلفة إلى 11 مليار دولار، وبالرغم من أن اليونان تواجه أسوأ أزمة مالية تهدد بإنهيار اقتصادها لعدم قدرتها على تسديد ديونها التي وصلت إلى 382 مليار دولار ولا يمكن إعتبار مبلغ 11 مليار مقارنة بالمبلغ الإجمالي للدين العام السبب الرئيس للازمة ولكنه أحد اسبابها. إزاء كل هذه الأضرار التي تتسبب بها هذه البطولات، للبلدان المضيفة، يبقى الدافع الوحيد لإستضافتها متعلقاً برغبة البلد في تقديم صورةٍ مغايرة للصورة النمطية عنه، أو في حالة البلدان المتقدمة، لا يختلف الدافع كثيراً ويبقى في إطار حملة العلاقات العامة. فعلى سبيل المثال تسعى أوكرانيا وبولندا من خلال بطولة أمم أوروبا التأكيد أن حداثة البلدين ليست ببعيدة عن باقي الدول الأوروبية، وفي أوكرانيا بالتحديد يأمل رئيس وزرائها فيكتور ينوكفيش الذي تدنت شعبية حزبه، أن تقدم البطولة جرعةً إضافية تساهم في فوزه في الإنتخابات الخريف المقبل و التي تحاول بعض الدول الاوروبية تهميشها من خلال رفض قادتها حضور المبارايات احتجاجاً على اعتقال رئيسة الوزراء السابقة الموالية للغرب يوليا تيموشينكو و اتهام اوكرانيا بانتهاك حقوق الانسان. أما جنوب أفريقيا فكان الهدف من استضافة المونديال 2010 تغيير الانطباع السوداوي السائد عن أفريقيا، afropessimism، أي تلك الصورة النمطية عن المجاعة والفقر والعنصرية. يبقى التساؤل: لماذا تُصرف كل هذه الاموال من اجل تحسين الصورة ونسج علاقات عامة للبلد بدلاً من تخصيصها للصرف في سياق اولويات شعوبها، كما تفعل البرازيل مثلاً؟ يضاف إليه التساؤل الدائم عن معاناة ودفع الثمن من قبل البلدان النامية باستمرار لمحاولة اللحاق بركب البلدان المتقدمة.