منذ أقامت مصر علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل بعد توقيع اتفاق السلام في عهد الرئيس الراحل أنور السادات ظل سفراء الدولة العبرية في مصر حريصين على الترويج للحفلة السنوية التي تقيمها السفارة في ذكرى تأسيس إسرائيل. وعادة ما تنجح صحف المعارضة في «اصطياد» لائحة الحضور من المصريين وتنشرها إضافة إلى صور لهم إذا تيسر الأمر، ويجد هؤلاء أنفسهم دائماً في موقف الدفاع عن النفس أمام حملة المعارضين للتطبيع. وكثيراً ما تنظم السفارة الإسرائيلية في القاهرة حفلات استقبال أو «عزومات»، ويقتصر الحضور فيها على الأجانب المقيمين في مصر وتتفادى شخصيات مصرية «مؤمنة» بالسلام مع إسرائيل المشاركة أو الحضور حرصاً على أنفسهم من سهام النقد ونظرات الغضب. وتلجأ السفارة الإسرائيلية في القاهرة إلى تسريب أسماء الحضور في حفلاتها سعياً وراء الايحاء بأن شخصيات مصرية ذات مكانة تكن للدولة العبرية الاحترام وتحرص على مشاركتها الاحتفال، وأن عزوف البعض عن الحضور لا مبرر له. تبقى الحال مختلفة تماماً بالنسبة للمناسبات المصرية التي تحتفي بها السفارة المصرية في تل أبيب، فالإقبال يكون واسعاً والمشاركة والحضور من جانب الإسرائيليين بمختلف تياراتهم يكونان كثيفين وإبداء الحرص من جانب المسؤولين في الدولة العبرية على تقدير دور مصر ومكانتها يكون مبالغاً فيه. وعلى ذلك فإن حضور الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز ورئيس الحكومة بنيامين نتانياهو حفلة أقامها السفير المصري لدى إسرائيل ياسر رضا مساء الخميس الماضي يدخل في هذا الإطار. والكلمات التي ألقاها المسؤولان الإسرائيليان وأكدا فيها على أن إسرائيل «تأمل في بلورة السلام مع الفلسطينيين في الأشهر المقبلة، وتوسيع نطاقه إلى سلام إقليمي»، لا تدخل العقول ولا تخرج عن مجرد عبارات بروتوكولية تقال في مناسبات كهذه من دون أن تتحقق على أرض الواقع. فلا المصريون واثقون في أي حكومة إسرائيلية ولا في رغبتها وقدرتها على تحقيق السلام، وهم لا يتوقفون عن انتقاد السياسة الإسرائيلية ويطلقون التحذيرات من أن استمرارها لا يخلق سلاماً. وبين المشاهد التي تحولت فولكلوراً ذلك المشهد الذي صار معتاداً حين يقوم أي مسؤول إسرائيلي بمطاردة للشخصيات المصرية اثناء الاحتفالات التي يحضرها الجانبان ويكون الداعي لها جهة محايدة أو سفارة بلد تجمعه علاقة بمصر وإسرائيل. وصار معتاداً أن تغادر شخصية أو شخصيات مصرية المكان أو تنتقل من موقع إلى آخر حتى لا تجد نفسها مضطرة لمصافحة هذا المسؤول الاسرائيلي او ذاك. ويجد غير الحريصين أنفسهم كثيراً في مواقف اضطروا فيها إلى المصافحة كما حال شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي فلا تكون النتيجة إلا حملة استنكار يضطر بعدها إلى إطلاق المبررات أو شتم الاسرائيليين علناً ليثبت أن الأمر كان مصادفة أو أنه صافح من دون أن يعلم من الشخص الذي صافحه. السلوك الإسرائيلي طبيعي ومعتاد ولا يمكن فصله عن السياسات الإسرائيلية نفسها التي تدعي الحرص على السلام. ودائماً من بين المفردات الإسرائيلية عند الحديث عن حلول للقضايا المعقدة في المنطقة الربط بين السلام والتطبيع والمصافحة. وإذا كان العرب تنازلوا كثيراً وخففوا دائماً من سقف المطالب وتعاركوا حول التنازلات، فإنهم لم يتقدموا خطوة واحدة نحو السلام مع إسرائيل رغم المصافحات أو المشاركة في الاحتفالات الوطنية للدولة العبرية. وعلى ذلك فإن مزيداً من الحضور للشخصيات الإسرائيلية في الاحتفالات الوطنية العربية أو الإكثار من المصافحة أو حتى العناق من جانب الشخصيات العربية والإسرائيلية لن يحل قضية أو يضيف أرضاً إلى الفلسطينيين ولا ينتج عنه إلا مزيد من الشجار بين العرب وتوقف المصافحة بينهم.