تزداد أهمية النفط والغاز غير التقليدي في صناعة البترول العالمية، بخاصة مع تراوح مستوى الأسعار فوق 100 دولار، ومن ثم الأرباح الممكن جنيها من البترول غير التقليدي، على رغم ارتفاع كلفة إنتاجه أكثر من النفط التقليدي. ويشمل البترول التقليدي الانتاج من حقول النفط والغاز غير العميقة كثيراً كما هو الوضع في معظم حقول الشرق الأوسط. اما البترول غير التقليدي، فيشمل ضمن ما يشمله، النفط والغاز الحجري من طريق تفتيت الصخر باستعمال الماء المضغوط والممزوج بالكيماويات، والنفط من رمال السجيل، والإنتاج من اعماق البحار (على عمق نحو 15 ألف قدم تحت سطح الماء)، وزيادة انتاجية الحقول من خلال ضخ ثاني اوكسيد الكربون في الآبار لزيادة الضغط ومن ثم انتاج كميات اكثر من النفط من الحقل ذاته. تأخذ منظمة «أوبك» منافسة النفوط غير التقليدية بجدية لما تشكله من تحدٍ لنفوطها. فعلى سبيل المثال، نجد أن أمينها العام عبدالله البدري يشير أخيراً في احدى محاضراته، الى تأثير النفط الصخري في الأسواق العالمية خلال السنوات المقبلة، لكن يؤكد ضرورة مبادرة المنظمة الى التعامل منذ الآن مع هذه الظاهرة بجدية وعدم تجاهلها. وأصبح معروفاً في الاسواق العالمية، ان النفط الخفيف الذي ينتج من الصخور في الولاياتالمتحدة، أخذ بمنافسة النفوط الخفيفة (النيجيرية والجزائرية والليبية والانغولية). وكمثال على ذلك، كان سعر النفط الجزائري في الأسواق العالمية أغلى من نفط «برنت»، لكن يباع البرميل منه الآن بنحو دولار او اثنين أقل من «برنت»، والسبب في ذلك زيادة انتاج النفط الحجري الأميركي. وتشير معلومات الى ان المصافي الاميركية على ساحل خليج المكسيك التي تبلغ طاقتها التكريرية نحو 8 ملايين برميل يومياً للنفط الخفيف، قد تتوقف عن استيراده بدءاً من العام المقبل. اما المصافي الاميركية في الشمال الشرقي من الولاياتالمتحدة، فمن المحتمل ايضاً ان تخفض بشدة استيراد النفط الخفيف والتعويض عنه بالنفط الصخري من الولايات الوسطى. وتتوقع دراسات أن يستغني الانتاج الاميركي وتكرير النفط في المصافي الأولى، عن النفوط السعودية والكويتية والعراقية ذات النوعية الوسطى بعد عام 2016. فبعد هذه المرحلة ستتمكن المصافي الجنوبية تكرير مزيج من النفط الخام، وهو مكون من النفط الكندي الثقيل مع النفط الخفيف من الحقول البرية الاميركية، اضافة الى امكان زيادة انتاج النفوط الخفيفة والمتوسطة النوعية. لا شك في ان هذه المؤشرات تعتمد كثيراً على فرضيات، أهمها ان المشاريع التي يخطط لها لها ستنفذ في المواعيد المحددة وأن استيراد الولاياتالمتحدة من النفط الكندي سيزداد كثيراً. وتشير دراسات في هذا الصدد، الى ان الولاياتالمتحدة قد تصبح دولة مكتفية نفطياً بحلول عام 2016، فتستغني عن استيراد النفط - باستثناء الكندي - والعامل المهم هنا هو احتمال ان تغير واشنطن رأيها وتوافق على تشييد خط الأنابيب المثير للجدل «كيستون اكس ال» الذي سينقل النفط الكندي الثقيل الى مصافي الولايات الجنوبية. تعتبر السوق الاميركية اكبر سوق في العالم استهلاكاً للنفط. واستوردت الولاياتالمتحدة نحو 2.1 مليون برميل يومياً من النفط الخام السعودي والعراقي والكويتي خلال الربع الاول من السنة، تعادل نحو 10 في المئة من استهلاكها. وتستعمل مصافي الولايات الجنوبية نحو 1.6 مليون برميل يومياً من هذه النفوط. فهل هناك حاجة الى هذه النفوط في حال استكمال خط انابيب «كيستون اكس ال»؟ ان لهذه الارقام دلالات استراتيجية واقتصادية مهمة جداً لدول «أوبك» عموماً، وللدول العربية النفطية بالذات. لكن، هل سيستمر الاهتمام الاميركي الاستراتيجي والسياسي بالشرق الأوسط في حال اكتفاء الولاياتالمتحدة من نفطها، بل في حال تصديره مستقبلاً؟ نعم، سيبقى الاهتمام الاستراتيجي بنفط الشرق الأوسط حتى لو انخفض او انعدم الاستيراد الاميركي منه، لأن تجارة النفط عالمية المنحى، والأسعار تتأثر بأي تهديد لمصادر البترول. ويهم الدول الكبرى استقرار الدول الحليفة، ومن ثم سيستمر اهتمامها بسلامة الامدادات من الشرق الأوسط. لكن في الوقت ذاته، قد تتغير نوعية الالتزامات الأميركية في المنطقة، فتطلب من الدول الحليفة تحمل مسؤوليات أكثر. وهناك في نهاية المطاف قضية فلسطين والالتزام الاسرائيلي تجاه اسرائيل. فماذا سيطرأ على صناعة النفط العالمية، اذا انتهت حاجة الولاياتالمتحدة للاستيراد؟ لا شك في ان طبيعة الصناعة ستتغير، لكن يجب الأخذ في الاعتبار ان الأسواق العالمية بدأت مرحلة التغير. فالدولة الثانية في العالم استهلاكاً للنفط هي الصين، تليها اليابان فكوريا الجنوبية. والمؤشرات تدل الى زيادة مستمرة في استيراد الدول الآسيوية للنفط الخام. تعني هذه التوقعات ضرورة مراجعة واسعة لتداعيات هذه المتغيرات على المنطقة، وترشيد الإنفاق من كل النواحي، ما قد يفاقم البطالة المقنعة. كما تتطلب توسيع العلاقات مع الدول الآسيوية، ليس تجارياً فقط، بل ثقافياً ايضاً وحضارياً. مع العلم ان بعض كبرى شركات النفط الوطنية العربية قد اخذت المبادرة في هذا المجال، ونتمنى ان تأخد مبادرات اوسع، أسوة بما قامت به الشركات النفطية الكبرى في بلادنا في العقود الماضية، لكن مع اختلاف واضح في الأهداف. يبقى تساؤل أخير عن مدى تأثير هذه المتغيرات في «أوبك». واضح ان على المنظمة التأقلم مع هذه المتغيرات، التي تبيّن ان الصناعة البترولية ستستمر طويلاً الركن الاساس في موارد الطاقة العالمية. وسيبقى دور المنظمة وأهميتها أساسياً في مجال الطاقة، مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات المتوقعة في الصناعة. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية