بعض الأسئلة تطرح نفسها، ربما لأن لديها انفصام في الشخصية، لأن المفترض ألا يطرح أحد نفسه أرضاً، أو يطرحها حسابياً، وبعض الأسئلة «تتبطح وتتندح» تاركة لنا تقدير مدى انسداحها»، أما بعضها فأنه يحفر في الأرض عميقاً، ويبذر نفسه، ثم يتموسق شامخاً كشجرة عتيقة كل ورقة فيها سؤال بذاته. سؤال صغير بسيط لماذا لا يوجد لدينا منقذون رسميون على الشواطئ؟ إجابة سهلة: لأنه أصلا لا يوجد لدينا شواطئ. إجابة مسهبة: لأن الشواطئ بمعناها المتعارف عليه في عالم السياحة وتخطيط المدن موجودة فقط في الأماكن التي لا يرتادها الناس مثل المدن والقرى الصغيرة على ضفاف البحر الأحمر والخليج العربي. إجابة «ملكعة»: لأنه لا يسمح بلبس الشورت القصير في الأماكن العامة! إجابة«شاطحة»: لأن إنقاذ الغريق يستدعي نقله للمستشفى، والإسعافات بطيئة في الحضور، والشوارع مزدحمة ولا تحترم فيها الطوارئ، والصحة تشكو نقص الأسرة في المستشفيات، فلا داعي للإنقاذ «من أصلو». شخصياً لا أعرف اسم شاطئ مشهور للتنزه سوى شاطئ نصف القمر، وقديماً كنا نعتبر كل كورنيش جدة شاطئاً، حتى كبرنا، وكبرت معنا المشاريع الاستثمارية الفجائية على معظم أجزائه... ما علينا. معظم شواطئ الدنيا بها منقذون، تعينهم بلدية المدينة، أو المستثمرون الذين يحصلون على امتيازات تطوير شواطئ خاصة أو عامة، أو الفنادق والمنتجعات التي تؤسس حدائق شاطئية، فيسبح الناس ويتعلمون السباحة وهم مطمئنون نسبياً أن هناك عيناً تراقب، والمفترض أن لديها القدرة على التدخل في الوقت المناسب. عملياً لا يمكن في مدينة مثل جدة تعيين منقذين لأن وضع الشاطئ والكورنيش جعل أماكن التنزه البحري تتوزع على مساحة شاسعة بحثاً عن «مطل» على البحر واستنشاق بعض الايودين الذي يفترض أن تكون نسائم البحر متشبعة به، وهي فرضية مشكوك فيها خاصة أن الماء الذي تحتها فقد خواصه «البحرية» لأسباب أشبعها غيري ذكراً وتباكياً. اجتماعيا لا يمكن تعيين منقذين من جنس واحد فقط، وسواء أسفنا على الأسباب الثقافية أو تفهمنا خلفيتها، فهذا هو الأمر عند الكثيرين. مالياً أيضاً لا يوجد بند في موازنات البلديات لتدريب وتأهيل المنقذين على الإسعافات الأولية، وعلى سلوكيات الناس، فالمنقذ ليس فقط سباح ماهر. نظرياً سيكون جميلاً لو ذهبت الى شاطئ ووجدت منصة منصوبة فوقها مظلة تحتها رجل يحمل منظاراً، وطوق نجاة، وحقيبة إسعافات أولية، على الأقل يمكن استخدام الصورة للترويج للسياحة الداخلية، وفي حالات أخرى يمكن لأصحاب العقارات والشاليهات البحرية استخدامها حتى بيع آخر وحدة لديهم و«نفاذ الكمية» أو «إنقاذ» البشرية. [email protected]