وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي آل خليفة، تدير نشاطات «المنامة عاصمة ثقافية عربية-2012» في مرحلة عربية حرجة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، معتبرةً الثقافة نقطة حضارية جامعة، وأفقاً للحرية يجتمع فيه المبدعون والمتلقون من الأطياف كافة. هذه المقابلة مع الشيخة مي أجرتها «الحياة» في المنامة، وتتناول وجهين من نشاطها، رسمي وأهلي: نشاطات «المنامة عاصمة ثقافية عربية - 2012» تأتي في مرحلة غير عادية للمجتمعات العربية. أنتم في منتصف العام، ما الرسالة التي توجهها نشاطاتكم للداخل البحريني وللمدى العربي، وبناء على أي نظرة للثقافة؟ - لديّ عبارة أرددها دائماً «الثقافة فعل مقاومة»، مقاومة الظروف التي نمر بها، وزرع ثقافة الفرح والأمل. في الصيف الماضي، حين أطلقنا شعار «انتصاراً للفرح» على مهرجان صيف البحرين السنوي، كان هدفنا ان نكرس مفهوم ان الحياة أجمل، وتستحق أن نحياها، فأنت من خلال الثقافة تستطيع أن تستقطب بأدوات بسيطة. ربما يكون ذلك أصعب على السياسيين المحسوبين على جهة أو أخرى، لأن الثقافة تجمع الأضداد حين يحضرون -مثلاً- عملاً موسيقياً أو غيره، فحفلة أندريا بوتشيللي حضرها مختلف الأجناس، من داخل البحرين وداخلها، ومن مختلف التوجهات، حتى السياسية. الثقافة توصل رسالة ان البلد بخير وفيه أمان واطمئنان وبناء. في هذا الوقت اعتقد ان عمل الثقافة أقوى وأهم، رسالتها بالنسبة للوضع السياسي أكثر فاعلية، فللثقافة صدى عفوية من دون شعارات وأمور مصطنعة. إنها تصل الى الإنسان، الى قلبه وفكره وعقله. يقبلها المتلقي بسهولة، يهضمها، قد لا يتفق مع المبدع لكنه يحضر ويتفاعل مع النشاط الثقافي. إننا نكرس مفهوماً جديداً، هو تأسيس بنية تحتية ثقافية هي ما سنخرج به من «عاصمة ثقافية»، فقد جمعنا جهودنا لترميم بيوت تراثية أو تدشين مشاريع معمارية، كالمسرح الوطني على سبيل المثال لا الحصر، وهو أول مشروع تقدمتُ به حين كنتُ وكيلاً مساعداً للثقافة والتراث، وكان المشروع يخبو ويتقد، الى ان تبناه الملك وأصبح الحلم الذي كنا نتمناه للبحرين حقيقة، وسيتم تدشينه في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وهو أول متحف في الخليج يضم آثار دلمون ويرجع لحضارة عمرها 5 آلاف سنة، ويعدُّ مصدرَ اعتزاز وفخر للمواطن البحريني. كما عملنا على إصدار موسوعة تضم 12 حقلاً من حقول الثقافة التي تناولتها «العاصمة» مترجمة للعربية، فعملنا على ان نترجم إصداراً كل شهر يتناول عموداً من أعمدة السنة (تشكيل، عمارة، تصميم، تراث... إلخ). هذا بعض ما نسعى إليه في «عاصمة الثقافة»: بنية أساسية، تقريب الأضداد، أيضاً رسالة حضارية الى الجميع. وحين قمنا بجولة ترويجية ل «العاصمة»، نجحنا من خلال المؤتمرات الصحافية التي أقمناها في العواصم العربية والأجنبية، بدءاً من القاهرة «أول عاصمة للثقافة العربية» ثم باريس (في معهد العالم العربي) عاصمة الثقافة في العالم، بحضور وجوه الجاليات العربية والرباط والجزائر. وحرصنا على أن نروّج للبحرين، وأنها بخير، وبدا ذلك جلياً منذ الافتتاح الرسمي للعاصمة بعنوان «طريق اللؤلؤ». وأود التأكيد على ان ما تراه في البحرين يختلف تماماً عما يرد في بعض وسائل الإعلام الدولية على انها بؤرة للصراع والعراك وغيره، في حين أن الواقع وما يجده الزائر يبدو مختلفاً. بالنسبة إلى الجانب الأهلي ومنصبك كرئيسة لمركز أمناء مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، يلاحظ ان نشاطات هذا المركز توسعت وتجاوزت البحرين ومجلس التعاون الى الأرجاء العربية. هل كان هذا التوسع وارداً عندما بدأتم المشروع؟ - لم تكن هناك نظرة محددة للانطلاق الى الشكل الذي توسعنا به، بدأت من مبنى صغير ثم الى الحي المجاور. الصدفة ترسم المسارات أحياناً، ربما نحن أدوات لنحقق غاية، مسخَّرين لإيجاد حلول وترميم مبان ضمن ظروف معينة، وحتى لو توافر المال فلا بد من المتابعة والإدامة والصيانة والبرنامج المستمر. المركز هو من المراكز القليلة التي استمرت في تألق، ليس لأني صاحبته، لكن لأنه بدا صغيراً ثم كبر، أنا ضد البدايات الضخمة، بدأت بالبيت الأول، بيت الشيخ إبراهيم (جدي)، ثم بالصدفة علمت عن بيت عبدالله الزايد، مؤسس الصحافة في البحرين، وأنه آيل للسقوط، لذلك حرصت على شرائه. المركز الأهلي قادني الى المؤسسة الرسمية. تألق أنشطته، القدرة على استقطاب الأسماء الكبيرة التي لا تأتي لأي مركز ثقافي عادي، لا بد يكون فضاء حراً. الأساس كان إحياء دور أداه جدي قبل 100 سنة عبر مجلس كان يؤدي دور المدرسة والنادي والمجلس، وإذا أقرت بعض المراسلات تدرك أنهم كانوا مشغولين بالأمة، ولم يهمهم التحدث عن أنفسهم كأفراد. لم يكن مخططاً لأن يكبر المشروع إلى هذا الحجم، وأن يضم 16 بيتاً، كبيت الشعر، وبيت الصحافة... وغيرهما، مثلما الصدفة قادتني لأن أكتب الكتاب الأول، ومن ثم أصدرت سبعة كتب بعد أن كنت سيدة بيت، ولم أكن أفكر في أن أنشر كتاباً، نحن متلقون ونقرأ، لكن لم أفكر في كتابة كتاب، لكن حين حرضتني المراسلات التي وجدتها لجدي ولم أجد من كتب عنها بصورة موضوعية واعتنى بها (الإنسان لا يعيش بمفرده بل بين الأشخاص الذين حوله)، قررت الكتابة عن مراسلات بينه وبين آخرين من داخل البحرين وخارجها تنبئ عن فكر متنور. أسست المركز، وكبر، وتوقفت عن الكتابة بسبب ضغط العمل، وأنت تعلم ان الكتابة في التاريخ غير ممكنة من دون أن يقرأ الإنسان عشرات الكتب ليخرج بمعلومة صغيرة أو جديدة... والمركز قادني الى المؤسسة الرسمية، وهو المكان الذي ألجأ إليه حينما أترك هذه المؤسسة، وقد تركتها مرتين، مرة باختياري ومرة باختيار الوزير المسؤول. وحاولت نقل تجربة المشروع الى مجال آخر، فأسست شراكة حقيقية مع القطاع الخاص تحت عنوان «الاستثمار في الثقافة»، واستطعت ان أحقق شراكة حقيقية حتى مع المؤسسة الرسمية. للاستثمار في الثقافة مرجعان، مرجع عربي تراثي هو الوقفيات في التاريخ العربي والإسلامي، وهي كانت تعتمد على تبرعات ووقفيات لبناء المدارس وإعانة الطلاب، وله مرجع حديث نجد أبلغ تعبيراته في الولاياتالمتحدة، حيث تعتمد الجامعات على تبرعات القطاع الخاص، أنتم أمسكتم بالحداثة والتراث معاً؟ - صدقني الأمر جاء بعفوية ومن دون دراسة أو غيرها، بل من حب لهذا المجال الثقافي. ربما شخصيتكم قادت الى هذا... أريد أن أسأل هل هناك تنسيق بين المركز ومؤسسات ثقافية أخرى في الخليج، مثل المجمع الثقافي في أبو ظبي أو مؤسسة الثقافة والإعلام في الشارقة، أو روابط الأدباء، والأندية الأدبية في السعودية... الخ؟ - للأسف الشديد أقول لك لا، أتمنى التواصل مع المؤسسات الخليجية، لكن إيقاع العمل الذي نعمل به لا يترك لنا وقتاً، ففي المؤسسة الأهلية لدينا حالياً 5 مشاريع إنشائية، ولدينا قاعة محمد بن فارس لفن الصوت (هو أشهر من غنى الصوت) الى جانب ترميم بيت من أجمل بيوت المنامة، وحلم تخصيص بيت باسم أكبر شاعر في الخليج (غازي القصيبي) بالمنامة التي أحبها وغنى لها. هذه المهام قد تعوق التواصل مع المؤسسات الأخرى. وكل زائر للبحرين، سواء على المستوى الرسمي أو الأهلي، يحرص على زيارة هذه البيوت وهذا الحي، الذي أصبح بصمة في المحرق، وقريباً سوف تكون بصمة أكبر للمؤسسة الرسمية عبر مسار طريق اللؤلؤ الذي يؤرخ لاقتصاد اللؤلؤ البحريني عبر مسار بطول 3 كيلومترات يمر بكل المواقع التي شهدت هذه الصناعة. النخب في دول مجلس التعاون تنظر الى البحرين منذ سنوات طويلة كدولة وكمجتمع رائدين في الحريات السياسية والاجتماعية، لا سيما تلك المتعلقة بالمرأة، فما هو دوركم كهيئة أهلية لإحياء هذه الريادة بالتنسيق مع دوائر سياسية وثقافية وطنية تحرص على عناصر الوحدة في المجتمع البحريني. - ليس الأمر إحياء لكنه استمرارية لدور مارسه مَن أتوا قبلنا بمئات السنين. لديّ كتاب عن تاريخ التعليم النظامي الحديث في البحرين، دائماً يذكرون ان المدرسة النظامية الأولى هي «الهداية الخليفية للبنين» سنة 1919، لكن قبلها كانت مدرسة المبشرين الإرسالية الأميركية، التي بدأت بصف للبنات في العام 1899، أنت تتكلم عن جيل يعود لأكثر من 120 سنة يتعلم في البحرين. إذاً، مشاركة المرأة وحضورها واضحان، وحتى في فترة الغوص، حينما يبتعد الغواص أو النوخذة عن بيته لفترة، فإن المرأة هي التي كانت تدير البيت والاقتصاد في غياب الرجل، لذلك هناك استقلالية ونظرة عادية للمرأة، وإذا تكلمت عن جيلي حين كنا في المدارس في السبعينات فقد كانت نظرة الاحترام للمرأة موجودة. المد الجديد غريب على مجتمعنا، والوقت تغير، لكن البحرين كمجتمع متحضر تمارس دورها الطبيعي. ليست المرأة بحاجة لأن تعطى فرصة، حالها حال الرجل. أنا أكره ان تكون المرأة بين قوسين. في البحرين الأمر طبيعي وجاء بالتدريج الطبيعي، ليست هناك قفزات، وكما أقول، كبر المركز بالتدرج الطبيعي، وكذلك وضع المرأة في مجتمع محافظ. لكن لا بد من ان نقول حقيقة أساسية في أي مجتمع محافظ تقليدي عربي، إذا لم تجد المرأة الدعم من أب أو أخ أو زوج ربما تتعرض لصعوبات. لا أتكلم عن نفسي، فأنا مدعومة من زوجي ومن أسرتي، ولم أجد فرقاً في نشأتي بيني وبين أخي، ولكن في بيوت أخرى الأمر مختلف، وبصفة عامة، فإن المرأة في الخليج مدللة في بيت أسرتها، فهناك بيوت أعرفها الحظوة فيها للمرأة.وكسياسة: المواطن هو المواطن، رجلاً كان أو امرأة، لا يختلف الأمر.البحرين بلدي، بمدينتها وقريتها، كل جزء من البحرين إحساسي تجاهه واحد لا يختلف. البحرين تبدو أكثر فأكثر ضرورة لأهلها ولمحيطها العربي، ضرورة ثقافية إنسانية. ما النداء الذي توجهينه لعدم إيذاء هذه الضرورة؟ - أنا التي توجه النداء؟ من يسمع؟ هذا يجعلنا نغص ونشعر بمرارة، الناس كأنهم صمت آذانهم ويريدون تكريس فكر استبعادي معين، من أي طرف. كل طرف مبالغ في التعنت. ربما نحن لا نعيش هذه الأزمات في محيطنا لأننا في أجواء نظيفة. عشنا معاً سنّة وشيعة. هذه هي البحرين. لا أوجه نداء. ما أقوله في النهاية: إذا لم تكن لدى الإنسان حمية أو هوية أو رغبة في بناء بلاده فلن ننجح، والتكامل يبقى ضرورياً من كل أطياف المجتمع.