تتفشى في المجتمع الكندي نزعة فردية، يكون فيها الفرد محور النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية وغيرها. ويتجلى هذا النزوع الفردي في غياب العلاقات الاجتماعية بين سكان الحي الواحد. ينعزل بعضهم عن بعض، ضمن حدود مصطنعة. فالجار يتجاهل جاره وتندر بينهما التحيات والزيارات المتبادلة حتى في الأفراح والأتراح، وكأن كلاً منهما يعيش في كوكب مختلف عن الآخر. وتلافياً لهذه «الظاهرة المرضية ذات المنشأ الرأسمالي»، والتي تنسحب تداعياتها على مجمل النسيج الاجتماعي الكندي، شهدت احياء كثيرة ظاهرة مغايرة تجلّت في اقامة «عيد الجيران» الهادف الى توطيد اواصر العلاقة بين مكونات المجتمع الكندي على شدّة تنوعه الإثني والثقافي. وتعاونت البلديات ومنظمات المجتمع المدني في تنظيم حملات توعية وإرشاد وتثقيف ترمي الى ايجاد اجواء من المحبة والإلفة والتعاون والتضامن، وتقريب السكان وعائلات الأحياء بعضهم من بعض. مهرجان شعبي تحوّل «عيد الجيران» الذي احتفلت به مقاطعة كيبك اوائل شهر حزيران (يونيو) الجاري، مهرجاناً شعبياً ضجّ بنشاطات متنوعة فكاهية وترفيهية وثقافية. وشارك فيه سكان الأحياء كباراً وصغاراً. والغاية من هذه الاجواء الاحتفالية، وفق ما حدّدها الناطق باسم الحدث اليز ماركيز، «تعزيز المواطنة وتأصيل فكرة الانتماء وتسهيل عملية الاندماج والتسامح والتعايش الحضاري». وجرى الاحتفال بهذه المناسبة في حدائق الحي والحدائق العامة. وتركّزت النشاطات فيها في شكل اساسي على عروض لمختلف أنواع المطابخ والاطعمة الافريقية والآسيوية والاوروبية والشرق أوسطية. وتهافت الجيران على تذوّق الاطعمة والتعرف الى طريقة تحضيرها ومكوّناتها ومميزاتها الصحية. فمفتاح التعارف بهذا العيد «قد يكون لقمة»، على حد قول هيلين بينيت التي شاركت بالمناسبة. وعمّت المظاهر الاحتفالية الأحياء، ولم تقتصر على فئة دون اخرى. وهناك من توجّه الى الالعاب الرياضية ومن تجاذب اطراف الحديث في مواضيع مختلفة ومنهم من انهمك بتحضير الطعام او تذوق بعض الاصناف او بتوزيع المشروبات، ومنهم من اخذ قسطاً للراحة تحت اشعة الشمس. عيد الجيران مناسبة سنوية لا للتعارف بين ابناء الحي الواحد فحسب، وانما لجلوسهم جنباً الى جنب. ولا فارق بين كندي ومهاجر أو امرأة سافرة أو محجبة أو تاجر أو عامل أو مالك أو مستأجر. فالفوارق الطبقية والاجتماعية والثقافية ومشاعر العنصرية تكاد تختفي تماماً لتسود محلها روابط الإلفة والمحبة والتسامح وتسود روح «الجماعة» على «الأنا» الفردية، وكأن الجميع يعيش في ظلّ تجمع هو اشبه ب «هيئة امم وشعوب» مصغرة يتحاور افرادها بلغة هادئة، ويتعرفون إلى «الآخر المختلف»، من دون خلفيات فكرية أو ثقافية أو أحكام مسبقة. ويبقى هذا العيد السنوي فرصة مثالية لإعادة اللحمة الى الأجواء العائلية المفقودة، وقضاء فسحة من الوقت بفرح وراحة وطمأنينة، بعيداً من مشاعر العزلة والتهميش وغيرها من منغصات الحياة اليومية.