تناقلت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية تصريح وزير المياه والكهرباء المهندس عبدالله الحصين لدن تدشين مشروع مياه حائل الشامل قوله: «القطاع الزراعي في حائل استهلك خلال ستة أعوام ما يوازي استهلاك المواطنين في 400 عام»، هذا التصريح الذي ترك لهذا الرقم المهول التعبير عن واقع الحال، تأملت في تصريح الوزير ملياً محاولاً فهم مراميه من التصريح بهذا الرقم، حتماً لن يكون للمباهاة، كما تعودنا عند التعامل مع الأرقام الكبيرة، التي تضعنا في صفوف الدول المتقدمة، كما يعبر عنه عبر وسائل الإعلام دوماً بلغة تبجيلية فارغة مللناها وسئمنا منها، ست سنوات من استهلاك المياه على الأعلاف والقمح تكفي لاستهلاك ستة أجيال من قاطني هذه المنطقة، هذا متى علمنا بأن استهلاك الفرد السعودي للمياه يأتي بالمرتبة الثالثة بعد الولاياتالمتحدة الأميركية وكندا. متخطياً نسبة 91 في المئة من الاستهلاك العالمي. إذن المغزى الحقيقي لهذا التصريح سيكون معاكساً تماماً لحال الفخر والتباهي التي تحاول المؤسسات الرسمية عند تدشين أحد مشاريعها إقناعنا بها، هذا الرقم يقول إن هناك عمليات استنزاف مياه الآبار الجوفية في السعودية متعمدة سنوياً، على رغم ضحالتها، وعلى رغم معاناة الناس من شح المياه في مناطق المملكة المختلفة، أقرب هذه الحالات ما تعانيه بعض أحياء الرياض (العاصمة) هذه الأيام من العطش المستبد إثر انقطاع المياه عنهم تحت أعذار واهية، أحدهم ذكر لي أنه يدفع 1200 ريال شهرياً لشراء المياه الصالحة للشرب من «الأشياب» الخاصة بعدما عجزت وزارة المياه والكهرباء عن تلبية كل حاجات هذه الأحياء، الرياض المباركة بشبكة كبيرة موصولة بمشروع التحلية بالجبيل، الذي كلف الدولة بلايين الريالات تعاني من شح المياه، يبدو أننا لا نزال نتعامل مع المياه بعدوانية مفرطة. لم تعلمنا دروس الماضي عندما شرعنا بتجفيف عيون المياه التي كانت مترامية على مد النظر وكأنها بحيرات، في مناطق مختلفة من المملكة، وكذلك الآبار التي كان يكفينا حفر أمتار قليلة للوصول إلى الماء الفوار لتنضب هذه المياه جراء السحب الجائر لها تحت مظلة حلم غير مدروس، لأن تكون السعودية سلة رغيف العالم، متجاهلين القلق الذي يساور العالم برمته، حتى تلك الدول الممطرة طيلة العام جراء النقص التدريجي في منسوب المياه، ثم ماذا بعد؟ تبددت أحلامنا، وغارت مياهنا، وأصبحنا أضحوكة للعالم، ونحن نقف على شفا عطش مقيم، لولا أن اجتبانا الله بمشروع التحلية باهظ التكاليف، في البناء والتشغيل، اليوم نحتاج إلى مئات السنين لاستعادة هذه المياه المفقودة بشرط إيقاف هذا الاستنزاف المتعمد التي تصب في مصلحة الأعلاف والقمح. ربما الأمر الذي لم يكشف عنه النقاب بعد بشكل جلي وظل طي الكتمان هو التلوث الإشعاعي في المياه الجوفية، وهذا ملف ساخن لم يطلع عليه سوى المعنيين، إذ تم رصد هذا التلوث الإشعاعي في الطبقات المائية من الرف الرسوبي، كما في بعض الوحدات الجيولوجية في صخور الدرع العربي والممتدة حتى وسط الجزيرة العربية، التي أدى إليها كجزء من الأسباب معدلات السحب الجائر للماء. إذاً الخطر الذي يتهددنا ليس فقط الاستمرار في استنزاف المياه الجوفية الشحيحة، ووصولنا إلى مرحلة سنعتمد فيها كلياً على مياه البحر المحلاة، بل من المياه الملوثة إشعاعياً، الذي بات خطرها يتهدد صحة الإنسان بدرجة أولى، ومهما حاول اتقاءها فستتسرب إليه مع الغذاء والحيوان والنبات، فقد عزت بعض الدراسات المستفيضة أسباب الأمراض السرطانية في بعض مناطق المملكة إلى تلوث هذه المياه التي لم تسلم منها حتى المياه المعبأة محلياً، وهذا ما أشارت له الأستاذ بقسم الفيزياء في جامعة الملك سعود، البروفيسورة عواطف أحمد هندي، الحاصلة على جوائز عدة في مجال تقنية النانو، خلال مشاركتها في إحدى الندوات التوعوية حول «التلوث الإشعاعي في حياتنا»، وذلك عائد كما ذكرت إلى تلوث المياه الجوفية في بعض مناطق المملكة، وهو مثبت في عدد من الدراسات التي قام بها عدد من المختصين، منهم الدكتور عبدالعزيز البسام وغيره من الباحثين. كل هذا يدور في الحقول العلمية ولا يعلن عنها إلا من خلال مختصين عبر محاضرات أو ندوات للمهتمين فقط، أما الإنسان المعني مباشرة بكل ما يجري فتعمى عنه هذه الحقائق وكأنها معلومات مخابراتية لا تكشف إلا لذوي الاختصاص، إذاً هذا الإنسان المواطن أمام معضلتين ترسم له مستقبلاً أسود يهدده في مأكله ومشربه. أولاهما: شح المياه الجوفية المتزايد جراء الهدر من خلال مشاريع أعلاف وقمح كبدنا أرضنا خسائر فادحة من مناسيب المياه الآخذة بالضمور، فلا تزال المياه تستنزف بشكل عشوائي غير منظم، كما أنها لم تقم بتوعية كافية عبر وسائل الإعلام للحد من هذا الهدر المتعمد. ثانيتهما : التلوث الإشعاعي في المياه الجوفية الذي كان له دوره في انتشار الأمراض السرطانية على مختلف أنواعها. والعجب في ذلك أننا لا نزال نتعامل مع هذه المخاطر بروح رياضية لا بروح المسؤولية، والوزارة المسؤولة، أعني وزارة المياه والكهرباء، تغض الطرف عن هذا الملف، أنا أعلم بأن لديها بعض الدراسات للحد من هذا الخطر، إلا أن هذا لا يكفي، فهي لم تراع مبدأ الشفافية في الكشف عما وصلت إليه من دراسات وأبحاث، وكلنا يود أن يعرف من خلال إجابات محددة حول صحية ما نأكله ونشربه، بمعنى أدق نريد من الوزارة طمأنتنا، وأخشى أن تكون عالقة بمشكلة ما مع هذا الملف، كما هي متورطة اليوم بعجزها عن حل مشكلة انقطاع الماء عن أحياء الرياض الجنوبية والغربية. * كاتب وروائي سعودي. [email protected] almoziani@