نيقوسيا - ا ف ب - على رغم قصر قامته وآثار الحروق الواضحة على الجانب الأيمن من رقبته، إلا أن كارلوس تيفيز يبقى تعبيراً صادقاً لكل ما تمثله الكرة الأرجنتينية من سحر الأداء والفاعلية، الموهبة العالية والتفاني في خدمة الفريق، الثقة بالنفس في الملعب والخجل والتواضع اللذان يعدان أهم صفات الكبار. ومع مميزات نادرة كهذه، فإنه لم يكن من المستغرب أن تتهافت كبرى الأندية العالمية على التعاقد معه، لكن اللاعب الذي حقق النجاح في أي مكان حل فيه قرر أن يبقي أمتعته في مدينة مانشستر، منتقلاً من جزئها الأحمر إلى قسمها السماوي كأهم جوهرة ضمن الثورة الكروية التي يقودها ال«سيتزنز» سعيا لريادة الكرة الإنكليزية، واعتبرت إدارة مانشستر يونايتد وعلى رأسها السير اليكس فيرغوسون أن انتقال تيفيز طعنة في ظهرهم، بينما عزا الأرجنتيني انتقاله لشعوره بالعزلة وعدم التقدير، رغم حبه وصدقه مع جماهير «الشياطين الحمر». لكن أيا كانت الأسباب، فإن مسيرة تيفيز الكروية حفلت بالانتقال من نقيض إلى آخر منذ نعومة أظفاره. فالطفل الذي ولد تحت اسم كارلوس ألبرتو مارتنز اضطر لتبني اسم عائلة والدته عام 1996 وذلك لتجنب خلافات قانونية حين كان يلعب ضمن ناشئي نادي أول بويز الذي لم يرغب بالتخلي عنه لصالح نادي بوكا جونيورز الشهير. وبعد سنوات حفلت بالنجاح في ملعب «لا بومبونيرا»، أحدث انتقال تيفيز من الأرجنتين للعب ضمن صفوف نادي كورينثيانز البرازيلي صدمة كبيرة للجميع. المفاجئة لم تتمثل بحقيقة أنه انضم للفريق البرازيلي في أعلى صفقة انتقال في تاريخ كرة أمريكا الجنوبية، إلا أن الدهشة أتت من حقيقة أن قلة من اللاعبين الأرجنتينيين الذين عبروا الحدود للعب مع أندية المنافس الأزلي. الأمر ازداد تعقيداً نظراً لأن كارلوس انتقل إلى هناك بعد أن تملكته مجموعة «سبورتس ميديا غروب» في خطوة ستترك أثرها على مسيرته الاحترافية لاحقاً. مسلسل مفاجأت تيفيز لم يتوقف عند ذلك الحد، فقد توجهت أنظار العالم الكروي أجمع إلى لندن في آخر أيام الانتقالات الصيفية عام 2006، حين أعلن نادي وست هام تعاقده مع الثنائي الأرجنتيني كارلوس تيفيز وخافير ماسكيرانو مقابل 12 مليون جنيه استرليني لكل منهما. اهتمام الأندية الإنكليزية باللاعبين كان معروفا للجميع، إلا أنها عزفت عن التعاقد معهما نظراً للتعقيدات المرتبطة بامتلاك مجموعة «سبورتس ميديا غروب» للاعبين. وعلى رغم ضم هاتين الجوهرتين الكرويتين، إلا أن ال «هامرز» مر بموسم للنسيان بسبب صراعه للبقاء بين الكبار، فضلاً عن المشاكل الجمة التي واجهها النادي حول شرعية انتقال اللاعبين الأرجنتينيين، إلا أن العلامة المضيئة الوحيدة في تلك الحملة كان التألق الواضح لتيفيز الذي نجح في إبقاء وست هام في الدوري الممتاز بفضل أهدافه الحاسمة التي سجلها في المراحل الأخيرة من الدوري، خاصة هدف الفوز أمام مانشستر يونايتد في ملعب «أولدترافورد» في آخر أيام الموسم. لكن منافس الأمس تحول إلى محبوب جماهير يونايتد بعد أن انتقل إلى بطل الدوري بعقد إعارة لمدة سنتين. وبما أن اللاعب اسمه تيفيز، فإن عملية الانتقال لم تكن سلسة. إذ نص الاتفاق المبدئي على أن ينضم تيفيز ليونايتد في مقابل 20 مليون جنيه إسترليني، إلا أن وست هام رفض المصادقة على ذلك في حال لم يحصل على الجزء الأكبر من قيمة التعاقد. ومع التعقيدات المرتبطة بحقوق ملكيته، قرر يونايتد ووست هام طلب مساعدة الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، الذي طلب منهما بدوره اللجوء إلى المحكمة الرياضية العليا. إلا أن القضية لم تصل إلى المحكمة بعد أن قامت مجموعة «سبورتس ميديا غروب» بدفع تعويض بقيمة مليوني جنيه للنادي اللندني. موسم تيفيز الأول كان ناجحاً مع يونايتد، إذ قاده لتحقيق ثنائية الدوري الممتاز ودوري أبطال أوروبا، مسجلاً خلالها أهدافاً حاسمة، كهدف الفوز في مرمى ليفربول على ملعب أنفيلد، وهدف التعادل الحاسم في اللحظات الأخيرة في مرمى بلاكبيرن الذي أمن لقب الدوري بشكل كبير لل«شياطين الحمر». وحين توقع الجميع أن كارلوس أثبت أنه يملك المؤهلات التي ستجعله أسطورة من أساطير مانشستر، كان للسير إليكس فيرغوسون رأي آخر، إذ سارع لضم البلغاري ديميتار برباتوف. وأدى قدوم البلغاري لإبعاد تيفيز إلى مقاعد البدلاء. وعلى رغم ذلك، لعب تيفيز دوراً مهماً في إبقاء لقب الدوري في خزائن يونايتد بأهدافه الحاسمة التي كان أهمها هدف الفوز على ستوك سيتي، وهدف التعادل في مرمى ويغان. ومع اقتراب الموسم من نهايته، صرح تيفيز بأنه لن يستمر مع فريق «الشياطين الحمر»، معللاً ذلك بعدم تقديم النادي عقداً لضمه، ولشعوره بأنه لم تتم معاملته بشكل جيد من السير اليكس فيرغوسون الذي لم يترك مجالاً له سوى الرحيل. تصريح تيفيز هذا جعل كبرى الأندية تسعى للتعاقد معه مثل ريال مدريد الإسباني وتشلسي وليفربول. جماهير يونايتد كانت سعيدة حين أكد تيفيز أنه لن ينتقل إلى ليفربول لأنه يحترم مانشستر ويدرك مدى الحساسية والتنافس الأزلي بين الناديين، إلا أن تلك الفرحة لم تدم بعد أن انتقل الأرجنتيني القصير إلى ابن المدينة نفسها والخصم اللدود مانشستر سيتي، ليكون ذلك أول انتقال للاعب بين الناديين منذ انضمام تيري كوك من يونايتد إلى سيتي عام 1999. تيفيز أكد أنه انضم لثورة «السيتزنز» لأن الفريق والمدرب أظهرا اهتماماً كبيراً به، ولأن النادي يملك خطة طموحة تمنحه الفخر بأن يكون جزءاً منها. وعلى رغم أن كارلوس يبقى كالدجاجة التي تبيض ذهباً ونجاحاً أينما حلت، إلا أن لعبه لأربعة أندية خلال 8 سنوات احترافية يؤكد أنه شخص لا يعرف الاستقرار. فهل سيجد الأرجنتيني ضالته في سيتي، أم أن الأيام ستحمل تناقضاً جديداً لهذا اللاعب الموهوب والمليء بالتناقضات؟