بوزنان هي من المدن التي تستحق الزيارة في بولندا، إلى جانب العاصمة وارسو ومدينة كراكوف الجنوبية وجارتيها ووج وفروسواف. انها خامسة المدن من حيث تعداد السكان الذي يزيد عن نصف مليون بقليل. لكنها الأولى إذا ما نظرنا إلى قدمها كعاصمة لأول عاهل بولندي هو مْيَشكو الأول الذي دفن في كاتدرائية بطرس وبولس في بوزنان... ومنها انتقل البلاط الملكي سنة 1038 إلى كراكوف، أجمل مدن البلاد. تقع بوزنان على نهر فارتا في منطقة سهلية تسمى بولندا الكبرى، وتتميز بأنها مركز صناعي وزراعي وتجاري وعلمي، وتعتبر من المناطق السياحية الهامة في البلاد. يسهل مطارها حركة التنقل ومجيء السياح إليها، إذ يستقبل رحلات تقوم بها أربعة خطوط وطنية وأربعة خطوط تجارية رخيصة تربطها بكثير من المدن الأوروبية. وعلى رغم تحسن شبكة الطرق البرية خلال السنوات الأخيرة، فلا تزال بولندا بحاجة ماسة إلى تطوير شبكة طرقها البرية. وترتبط بوزنان ببرلين عاصمة ألمانيا بطريق سريع حديث أنجز مؤخراً. وكان من المفترض انجاز بناء الطريق حتى وارسو في ربيع هذا العام استعداداً لبطولة كرة القدم الأوروبية، إلا أن الجزء الموصل إلى وارسو لن يكتمل حتى ذلك الوقت. وتفخر المدينة بأدنى معدل للبطالة في البلاد، فهو لا يتجاوز 2%. ويعود هذا إلى موقعها الاقتصادي الهام. كما تشتهر بوصفها مدينة جامعية فيها كثير من الجامعات، ويدرس فيها حوالى 138 ألف طالب جامعي، من ضمنهم 2000 طالب أجنبي، نصفهم يدرسون الطب. ساحة السوق القديمة هي أهم معالم المدينة، مربعة الأبعاد طول أضلاعها 140 متراً. وفيها مبنى البلدية الذي يعود إلى القرن الرابع عشر، ويعتبر أفضل الأمثلة على أبنية عصر النهضة في بولندا. حصل المبنى على شكله الحالي بعد سلسلة من الإضافات والتصليحات التي جرت خلال القرون، ولم تترك البلدية البناية إلا بعد الحرب العالمية الثانية ليجري تحويلها إلى متحف لتاريخ بوزنان. أما بيوت التجار ذات الواجهات الملونة الرائعة، فتمتد على يسار مدخل البلدية. في البداية كان التجار يبيعون بضاعتهم على منصات خشبية، ثم أخذوا في القرن السادس عشر يبنون بيوتاً صغيرة هي متجر ومسكن في آن واحد. وكانوا يضعون شعار صنعتهم على الواجهة للتدليل على بضائعهم. فهناك مثلاً شعار بائع السمك المدخن، وهو سمكة مع ثلاث أشجار. من الأبنية الموجودة في وسط الساحة المتحف العسكري، وهو بناية حديثة من طابق واحد أقيمت بين 1959-1962 في المكان الذي كان مخصصاً في السابق للباعة الذين عرضوا بضائعهم في حوانيت من قماش. وتتناقض البناية مع الطابع التاريخي لعموم المنطقة، وتتزايد الأصوات التي تنتقد وجود هذا البناء هناك. يقع متحف انتفاضة 1918-1919 التي وقعت في بولندا الكبرى ضد الحكم الألماني الذي كان قائماً منذ قرن من الزمان، وأدت الانتفاضة إلى حصول المنطقة على استقلالها من ألمانيا واستعادت الدولة البولندية السيادة على كل البلاد بعد قرون من تقاسم الأراضي البولندية بين الدول المجاورة وهي بروسيا وروسيا القيصرية والامبراطورية النمساوية. وبناية المتحف هي مقر الحرس في الأصل، وتعود إلى القرن الثامن عشر. وأخيراً، نجد مبنى الميزان الذي يعود إلى النصف الثاني من القرن الثالث عشر. ونعثر على بناية مخصصة للموازين في كثير من أسواق أوروبا القديمة، مثل ألمانيا وهولندا. وكانت البناية القديمة قد هدمت في 1890 وبني محلها مبنى جديد للبلدية. وبعد الحرب العالمية الثانية أعيد إنشاء المبنى القديم استناداً إلى الوثائق والتصاميم الأصلية. ويستعمل مبنى الميزان اليوم كقاعة موسيقية. وفي الساحة وحواليها عدد من المتاحف، منها المتحف الأثري الموجود في الزاوية الجنوبية الشرقية وفيه عدد من المعارض الدائمة مثل معرض الفنون المصرية القديمة التي تصور الحياة والموت في مصر الفرعونية، ومعرض تاريخ وحضارة بلاد النوبة. أما متحف الأدوات الموسيقية، فهو الوحيد من نوعه في بولندا، ويعتبر ثالث أكبر متحف للأدوات الموسيقية في أوروبا ويبلغ عدد مقتنياته أكثر من 2000 أداة موسيقية من مختلف بقاع العالم. إذا ما ذهبنا إلى مركز المدينة سنجد عند شارع القديس مارتن (شفينتي مارتشين) أحد المباني التي تحتل أهمية تاريخية، وهو قلعة الأمبراطور. بني القصر بين 1905 و1910 للقيصر الألماني فلهلم الثاني على غرار مباني القرون الوسطى ليكون رمزاً لسيطرة ألمانيا على هذه المنطقة من بولندا. وبعد استعادة البلاد استقلالها إثر معاهدة فرساي أصبح القصر مقر الرئيس البولندي، ثم أصبح مقراً لهتلر بعد اجتياحه بولندا في 1939. أما اليوم فهو قصر للثقافة. وفي المدينة وحواليها كثير من المتنزهات والحدائق والأماكن الطبيعية المحمية والبحيرات، مثل حديقة الحيوان وتقع على مساحة 116 هكتاراً تغطي أشجار الصنوبر والغابات أكثر من نصفها، وقد افتتحت سنة 1974، وفيها حوالى ألفي حيوان. وفي الحديقة جناح خاص لمئات من أنواع الفراشات الجميلة الملونة (يفتح في الصيف فقط). وفي المدينة حديقة تضم 700 من أصناف النباتات، ومجموع نباتاتها يصل إلى 17 ألف نبتة من مختلف أنحاء العالم. ويعتبر معرض بوزنان التجاري العالمي بين أشهر المعارض العالمية، ويقع داخل المدينة، ويعكس التقاليد التجارية العريقة للمدينة التي تعود أقدم وثيقة تنظم الأسواق فيها إلى العام 1254 وقعها الملك بشميسل الأول. هناك كثير من المطاعم المختلفة، ومنها المطاعم الشرقية والتركية علاوة على المطاعم العالمية. والأطباق معتدلة الأسعار ومتنوعة، ولا بد من تذوق الأطباق المحلية مثل فخذ الأوز المحمص المقدم مع الخبز المطبوخ بالبخار والمنقوع في المرق، أو حساء الشمندر البولندي الشهير. ولديهم كذلك أكلة بارانينا وهي لحم الضأن المشوي، وأنواع عديدة من السلطات اللذيذة مثل سلطة البطاطا والبصل والكراث وسلطة الشمندر واللفت والجزر المبروش وغيرها. وتقدم المدينة خدمات وتسهيلات للسواح عبر بطاقة بوزنان التي تمكن حاملها من استعمال مواصلات المدينة ودخول أغلب متاحفها مجاناً، ويحصل كذلك على خصم في كثير من المطاعم والفنادق. وهناك بطاقات لمدة يوم أو يومين أو ثلاثة، وثمن الأخيرة نحو 10 يورو. وتستعد بوزنان اليوم لاستقبال الفرق المشاركة في بطولة أوروبا لكرة القدم، وجرى تحديث ملعب المدينة الذي يتسع ل 43 ألف مشجع بكلفة 170 مليون يورو، وكان أول منشأة رياضية تنجز في بولندا بالارتباط مع البطولة الحالية. ويتباهى الملعب بشاشتين عملاقتين مساحة كل منهما 116 متراً مربعاً. ومن المتوقع أن تعطي المشاركة في البطولة دفعة جديدة للسياحة في المدينة، ويتحمس سكان بوزنان في انتظار بداية البطولة، فتنتشر اللوحات الضوئية التي تعد الأيام والساعات المتبقية حتى بداية دورة الألعاب، بينها لوحة في الساحة الرئيسية، ساحة السوق القديمة. للمزيد عن المدينة والسياحة فيها: http://www.poznan.pl/mim/turystyka/en/index.html