على رغم عنوانه التقليدي «السينما والناس»، يعد هذا البرنامج، الذي يقدم أسبوعياً على فضائية «الحرية»، والمتخصص في الفن السابع، واحداً من أبرز البرامج السينمائية التي تظهر كعلامة مضيئة وسط كثافة البرامج السينمائية التي تقدم على هذه الفضائية أو تلك، والتي غالباً ما تلامس قشور السينما من دون الخوض في جوهر هذا الفن. البرنامج يعتمد على اختيار فيلم سينمائي وعرضه كاملاً، بعد قراءة نقدية مبسطة يمهد بها لعرض الفيلم، مقدم البرنامج الشاعر والمخرج العراقي برهان شاوي، في محاولة لتقريب النقد السينمائي من أذهان الجمهور غير المختص، والتعريف بمخرج الفيلم وأبطاله وظروف إنتاجه. لكن أهمية البرنامج لا تأتي من هذه التفاصيل الجانبية، وإنما تنبع من قيمة الفيلم المختار، بل ومن خصوصية هذا الاختيار. فالشاشات الصغيرة العربية مغرمة بعرض «الأفلام الهوليوودية»، وعلى رغم أن هذه الأفلام تضم عناوين سينمائية ضخمة، ولافتة فإن المفارقة تكمن في أن تلك الفضائيات لا تختار سوى أفلام ذات قيمة سينمائية ضئيلة تتمثل في أفلام الآكشن، والميلودراما الرخيصة، وبعض أفلام الرعب. «السينما والناس» يغرد خارج السرب، إذ يذهب إلى سينما الهوامش والأطراف، إذا جاز التعبير. فقد عرض، مثلاً، بعض أجمل ما قدمته السينما الإيرانية على يد مخرجين كبار من أمثال مجيد مجيدي، ومحسن مخملباف، وسميرة مخملباف، وعباس كياروستامي وسواهم. وإذا ذهب مقدم البرنامج أبعد في اتجاه الشرق، أي نحو «السينما البوليوودية»، فإنه، وعلى عكس غالبية الفضائيات، لا يختار تلك الأفلام العاطفية المملوءة بالرقصات والأغاني، والمصادفات العجيبة، والحركات البهلوانية... وإنما يختار أفلاماً هندية ذات مذاق خاص مثل فيلم «بلاك» الذي لعب بطولته أحد ابرز نجوم السينما الهندية، أميتاب باتشان. وبما أن الرابط الذي يجمع بين هذه الخيارات هو البحث عن أفلام عابقة بجماليات السينما، ومشغولة بأسلوب خاص، فإن مقدم البرنامج، الذي درس السينما في موسكو، وأخرج أفلاماً تسجيلية عدة، يعود، أحياناً، إلى كلاسيكيات السينما العالمية والى أسماء بارزة أسهمت بقدر كبير في إعلاء شأن الفن السابع من أمثال أكيرا كوروساوا، وفيلليني، وبازولليني، وبيرتولوتشي، وكازان، ويلماز غوني... وغيرهم. يتأرجح البرنامج بين القديم والحديث، ويقتفي جغرافية الكرة الأرضية شرقاً وغرباً، ولا يخضع لأي معيار سوى «سحر السينما» في سعي إلى العثور على أفلام شكلت محطات مهمة في تاريخ السينما، والملاحظة الجديرة بالانتباه، والتي تنفرد بها هذه الفضائية، تتمثل في أن الفيلم يعرض في شكل مستمر ومن دون انقطاع، بمعنى أن الإعلان التجاري أو الترويجي لا يقطع الشريط مطلقاً، تماماً كما هي الحال في العرض السينمائي، وهذه الملاحظة الأخيرة لوحدها كافية لتوضيح قيمة هذا البرنامج، ومدى احترام القائمين عليه للسينما.