أصدر رئيس الجمهورية العراقية فؤاد معصوم، بعد ظهر أمس، مرسوماً كلف بموجبه حيدر العبادي، وهو احد قادة حزب «الدعوة» الرئيسيين، تشكيل الحكومة، بعدما رشحه «التحالف الوطني» الشيعي، مستنداً إلى تواقيع 130 نائباً من أصل 173 منضوين في التحالف. لكن رئيس الوزراء نوري المالكي رفض التنازل عن السلطة وسارت تظاهرات في بغداد تأييداً له. (للمزيد) وفيما هنأ نائب الرئيس الأميركي جو بايدن العبادي، أعلن البيت الأبيض أنه بدأ تسليح الأكراد من دون المرور ببغداد، وحذر من تدخل الجيش في انتقال السلطة. كذلك رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بما اعتبره «تحركا الى الأمام نحو تشكيل حكومة في العراق» مشيدا بقرار تكليف العبادي. وقال الناطق باسمه ستيفان دوجاريتش إن الأمين العام «يحض رئيس الوزراء المكلف على تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة مقبولة لدى كل مكونات المجتمع العراقي». إلى ذلك، أعلنت مصادر إيرانية موثوق فيها، أن رئيس التحالف الشيعي إبراهيم الجعفري نفذ «انقلاباً أبيض على المالكي»، لكنها دعت السياسيين العراقيين إلى الالتفاف حول رئيس الوزراء المكلف. وتعبيراً عن رفضه، أصدر المالكي أوامر مساء أول من أمس، بنشر قوات مدرعة في شوارع بغداد، ما أثار مخاوف كبيرة تصاعدت مع إعلانه قبيل منتصف الليلة ذاتها نيتَه مقاضاة رئيس الجمهورية، واتهمه بخرق الدستور. وبعد لحظات من ظهور معصوم معلناً تكليف العبادي تشكيل الحكومة، أعربت مجموعة من نواب كتلة المالكي «دولة القانون» المرتبطين به، عدم اعترافهم بالتكليف، وهددوا باللجوء إلى القضاء لإنصاف زعيمهم، مؤكدين أن العبادي «لا يمثل إلا نفسه». وسبق ل «الحياة» أن أشارت إلى أن الائتلاف يتكون من 4 مجموعات سياسية هي: «بدر» بزعامة هادي العامري، و «مستقلون» بزعامة حسين الشهرستاني، وحزب «الدعوة» بتشكيلاته المختلفة، بالإضافة إلى مجموعة ترتبط بالمالكي شخصياً، ولديها حوالى أربعين نائباً، وأن انقساماً شديداً حصل خلال الأسابيع الماضية في الائتلاف وفي الحزب الذي يمثل عصب الكتلة. ويحظى العبادي، الذي سبق وشغل مناصب تنفيذية برلمانية مختلفة، بالإضافة الى توليه أخيراً منصب نائب رئيس البرلمان، بتأييد سياسي كبير داخل العراق، فيما نالت خطوة معصوم دعماً فورياً أميركياً وأوروبياً وإيرانياً. في طهران، قالت مصادر ل «الحياة» إن الجعفري نفذ «انقلاباً أبيض» ضد المالكي، مدعوماً من «المجلس الإسلامي الأعلى» بقيادة عمار الحكيم وحزب «الفضيلة» والتيار الصدري وكتلة الشهرستاني. وأوضحت أن انقساماً حصل داخل قيادة حزب «الدعوة» ضم علي الأديب والعبادي من جهة، والمالكي وعبد الحليم الزهيري وحسن السنيد وعدد من أعضاء المكتب السياسي من جهة أخري . وانضم هادي العامري، رئيس منظمة «بدر» وخضير الخزاعي، زعيم «تنظيم العراق» إلي المالكي. وأضافت أن طهران «لم تتدخل في هذه السجالات السياسية، وهي مستعدة للتعاطي مع أي شخصية تستطيع أن توحد العراق، خصوصاً أن المرجع الديني علي السيستاني وقف ضد ترشح المالكي»، وأعربت عن أملها في أن «يلتف السياسيون العراقيون، وتحديداً أعضاء التحالف الوطني، حول العبادي». من جهة أخرى، عبّر الرئيس المكلف «عن نيته التحرك سريعاً لتشكيل حكومة واسعة وشاملة، قادرة على مواجهة تهديد تنظيم داعش وبناء مستقبل لجميع العراقيين بكل أطيافهم». وتكمن قوة المالكي، بسيطرته على منظومة كبيرة من القوى الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى ارتباط ميليشيات مثل «عصائب أهل الحق» بمكتبه، ما يفتح الباب أمام تداعيات خطيرة في حال قرر الاستمرار في عدم اعترافه بالحكومة الجديدة. ومن الاحتمالات القائمة أن يسعى إلى عدم تسليم السلطة، والاستعانة بالقوة العسكرية التي ترتبط به، لكن هذه الخطوة ستواجهها القوى السنية والشيعية والكردية التي اختارت العبادي، فضلاً عن مواجهة الولاياتالمتحدة وإيران. وكان المالكي طالب خلال مفاوضات الكتل الشيعية بضمانات لعدم ملاحقته قانونياً بعد تنازله عن السلطة، ومنحه منصب نائب رئيس الجمهورية. وبالإشارة الى الأجواء التي صاحبت إزاحته، فإن القوى السياسية ستعارض منحه أياً من تلك الضمانات، فيما لا يستبعد مطلعون أن يلجأ الى فتح ملفات قضائية وسياسية وأمنية ضد خصومه. ويعتبر التحدي الأمني في مقدم التحديات التي تواجه حكومة العبادي بعد تشكيلها، في ضوء تمدد تنظيم «داعش»، الذي استولى أمس على بلدة جلولاء بعد معارك دامية مع قوات «البيشمركة» من جهة، والقوات الحكومية من جهة أخرى. ويتوقع أن يتم تقاسم المناصب السيادية في الحكومة الجديدة، فتمنح «كتلة الصدر» منصب نائب رئيس الجمهورية، في مقابل منح كتلة «المواطن» منصب نائب رئيس الوزراء، ومنح شخصية من داخل «دولة القانون» منصب وزير الداخلية، وإسناد منصب نائبي رئيس الوزراء والجمهورية، بالإضافة إلى وزارتي الخارجية والدفاع إلى السنة.