أسدل أمس الستار على ما سُمّي «محاكمة القرن» في مصر، لكن أصداءها ستبقى تؤثر على الأرجح في المشهد السياسي المصري لفترة أخرى من الزمن. فقد دانت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة القاضي أحمد رفعت، الرئيس السابق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي بالاشتراك في قتل المتظاهرين في «ثورة 25 يناير»، وعاقبتهما بالسجن المؤبد (25 عاماً)، فيما برّأت ستة من مساعدي وزير الداخلية في القضية نفسها، وهم كل من رئيس قوات الأمن المركزي السابق اللواء أحمد رمزي، ومدير مصلحة الأمن العام السابق اللواء عدلي فايد، ورئيس مباحث أمن الدولة السابق اللواء حسن عبدالرحمن، ومدير أمن القاهرة السابق اللواء إسماعيل الشاعر، ومدير أمن الجيزة السابق اللواء أسامة المراسي، ومدير أمن السادس من أكتوبر السابق اللواء عمر فرماوي. وقضت المحكمة بتبرئة مبارك ونجليه علاء وجمال وصديقه المقرب حسين سالم من تهم الفساد واستغلال النفوذ، لسقوط الاتهامات بالتقادم، بعد مرور 10 سنوات على ارتكابها، وفق القانون المصري. وسارع النائب العام إلى الطعن في تبرئة نجلي مبارك في قضية التربح المتمثلة في حصول مبارك ونجليه على فيلات بأسعار زهيدة من حسين سالم مقابل تسهيل حصوله على مساحات من الأراضي في شرم الشيخ، وأيضاً الطعن في تبرئة مساعدي وزير الداخلية من تهم قتل المتظاهرين. وعقب انتهاء هيئة المحكمة من تلاوة الأحكام، تحوّلت قاعة المحاكمة، التي عقدت في أكاديمية الشرطة في ضاحية القاهرةالجديدة (شرق القاهرة)، إلى «ساحة حرب»، إذ اشتبك أهالي الشهداء ومحاموهم مع مناصرين للمتهمين وصحافيين وإعلاميين كانوا داخل القاعة، ما أدى إلى سقوط جرحى، فيما كانت الاشتباكات خارج قاعة المحاكمة أكثر سخونة، إذ تبادل مناصرو الرئيس السابق وأهالي الشهداء ومناصروهم الرشق بالطوب والحجارة، ما أدى إلى سقوط نحو 250 جريحاً، قبل أن تتدخل قوات الشرطة للفصل بينهم، وألقت القبض على نحو 40 شخصاً. وبينما كانت أجهزة الأمن تستعد لنقل مبارك إلى المركز الطبي العالمي حيث يخضع للعلاج منذ بدء محاكمته في آب (أغسطس) الماضي، أمر النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بنقل الرئيس السابق إلى مستشفى سجن طرة، في خطوة فُهم منها محاولة لتهدئة الأجواء الغاضبة من الأحكام القضائية. وأفيد بأن خبراء في القوات الجوية كانوا عاينوا سجن طرة الذي يطل على نيل القاهرة (جنوب العاصمة) للتأكد من وجود مساحات تسمح بهبوط طائرات. وشوهدت المروحية التي تقل مبارك تهبط داخل أسوار السجن الذي تقبع فيه غالبية رموز النظام السابق. وذكرت معلومات أن مبارك رفض في البداية الخروج من الطائرة وظل يبكي لدقائق ويردد كلمات مضمونها أنه «ظُلم»، قبل أن تقنعه قيادات أمنية تشرف على تأمينه بأن نقله إلى مستشفى السجن بات نافذاً. وأوضح التلفزيون الرسمي المصري أن الرئيس السابق «أصيب بأزمة صحية حادة لدى وصوله إلى السجن وأن الأطباء المشرفين على علاجه تدخلوا لمعالجته داخل الطائرة». وعلى رغم تبرئة علاء وجمال أمس، فإنهما لن يخرجا من السجن لخضوعهما لتحقيقات ومحاكمات في قضايا فساد أخرى، وكذلك الحال بالنسبة الى مساعدي وزير الداخلية باستثناء قائد سلاح الأمن المركزي السابق رمزي ومدير أمن القاهرة السابق الشاعر. وتباينت ردود الفعل حول الحكم القضائي. ففيما تلقفته هيئة الدفاع عن المساعدين الستة لوزير الداخلية السابق بالترحاب، أعلنت هيئة الدفاع عن مبارك والعادلي الطعن في حكم بسجنهما، وأوضحت أنها ستتقدم خلال أيام بمذكرة بالطعن أمام محكمة النقض. وإذا قبلت هذه المحكمة الطعن فإنها ستحيل القضية إلى دائرة أخرى لتبدأ النظر فيها من نقطة الصفر، أما في حال رفضه فإنها ستؤيد الأحكام وتعتبرها «نافذة ونهائية». وفي المقابل، أعلن النائب العام أنه سيطعن في تبرئة مساعدي وزير الداخلية ونجلي الرئيس السابق علاء وجمال، في إشارة واضحة إلى رفض الأحكام التي صدرت. كما شنّت هيئة الدفاع عن أهالي الشهداء هجوماً عنيفاً على القاضي أحمد رفعت، واعتبر منسّق الهيئة المحامي عبدالمنعم عبدالمقصود أن القاضي اعتمد في أحكامه على «المواءمات السياسية»، و «أنه ظن بأنه عندما يعاقب الرئيس السابق ووزير داخليتة يهدأ الرأي العام، لكن ظنه خاب». وتساءل عبدالمقصود إذا ثبت لدى القاضي رفعت أن هناك حالات قتل وقعت فكيف يدين مبارك والعادلي ويبرئ القادة الميدانيين الذين كانوا يتعاملون مع عناصر الشرطة مباشرة. وانتقد عبدالمقصود الحكم القضائي في شدة واعتبر أن «مقدماته تناقضت مع النتائج... وللأسف أعطى مقدمات لتبرئة مبارك حين يتم الطعن في الحكم بسجنه». في غضون ذلك، طلب مصدر مسؤول «احترام أحكام القضاء المصري»، وقال ل «الحياة» إن الحكم الذي أصدره رئيس محكمة الجنايات المستشار أحمد رفعت أمس «جاء بناء على الأدلة والاقتناع الذاتي للقاضي، ومن دون أي تدخل»، مشدداً على ضرورة احترام القضاء المصري. وقال: «علينا احترام القضاء، فسهام النقد إلى القضاء مهما كانت دوافعها، مرفوضة. علينا احترام مؤسسة القضاء، وما يصدر عنها، حتى نحافظ على السلطة القضائية في جلالها، ونرتضي بما تقضي به». واعتبر أن الحكم على مبارك والعادلي «يؤكد بما لا يدعو مجالاً للشك، حرية القضاء المصري في اتخاذ أحكامه على ما يراه وفق الأدلة والأسانيد التي توافرت لديه».