يؤكد فوز برنامج «الطريق إلى النابع» من إخراج عبدالغفار محمد عبدالغفار والذي أنتجته الفضائية السودانية بالجائزة الأولى مناصفة مع قناة الجزيرة للأطفال في قسم الوثائق ضمن المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون الذي جرت فعالياته أخيراً في تونس، نجاح تجربة الفضائية السودانية في الأفلام الوثائقية والتسجيلية؛ ففي الدورة الماضية من المهرجان نفسه فاز فيلم «سارمتة جزيرة الأحلام» للمخرج النور الكارس بإحدى جوائز «الوثائقيات»، وفي الدورة التاسعة نال سيف الدين حسن جائزة الإخراج عن فيلمه التسجيلي «مراكب الشمس»، كما فاز المخرج بجوائز عدة عن فيلمه «صائد التماسيح». وكان المخرج النور الكارس فاز بالجائزة الأولى عن فيلمه «الشباك الندية» في مهرجان الخليج التاسع في البحرين! عموماً، بات ملحوظاً ان ثمة جائزة عن «الوثائقيات» يحصدها السودان دائماً في المهرجانات العربية التي تقام هنا وهناك، لكن ما يبدو غريباً حقاً هو ان هذه الأفلام التي تنتجها الفضائية السودانية غير متاحة لمشاهديها غالباً؛ فهي تُنتج، بصفة حصريّة، للمسابقات ويُبذل فيها الكثير من المال لكي تلفت نظر لجان التحكيم في تلك المهرجانات وليس من أجل عيون المشاهدين «المساكين»؛ فلجان التحكيم تلك هي الأحق بجودة النص والتصوير والإخراج والمونتاج وسائر العمليات الفنية الخاصة بإنتاج الأفلام... هكذا يفكر الذهن البرامجي في هذه الفضائية! لكن ما يعقب فوز الفيلم هو الأغرب، إذ تجدها القناة سانحة للاستعراض «البطولي»، فتتناول الفوز من زوايا عدة وفي برامج مختلفة ويعرض الفيلم بصفة مكررة تُصيبك بالملل! والمفارقة هنا ان الفضائية السودانية توشك ان تكون خالية من البرامج الوثائقية والتسجيلية؛ فأثيرها خال تقريباً إلا من «الأفلام الفائزة»، فما نسبته 80 في المئة مخصص للبرامج السياسية وما تبقى تشغله برامج اجتماعية وصحية ورياضية، كما انها لا تفعل خيراً وتبعث ما تراه مدعاة لفخرها للقنوات العربية الأخرى في ما يسمى خدمة «التبادل البرامجي» تواصلاً وتفاعلاً ومعرفة... وهو ما يشكو منه مخرجو هذه الأفلام ذاتها! في تقديرنا ان لجان التحكيم في هذه المهرجانات يمكن ان تكون أكثر فائدة لو نظرت مباشرة إلى ما تبثه هذه القنوات؛ فما يقدم أمامها لا يعبّر عن الواقع البرامجي، انما هو نسخ موجودة في الغالب لبرامج تبث هناك، نسخ نموذجية أو هي برامج أُنتجت خصيصاً للفوز بإحدى الجوائز! يستحق المشاهد «الكريم» برامج أفضل، يستحق هذه النسخ النموذجية التي تمّ إعدادها، باجتهاد أكبر وأرسلت الى تلك المهرجانات؛ فاستنارة او متعة هذا المشاهد أهمّ وأنفع، وبكثير، من تلك الميداليات ومسارحها «المزخرفة» الكرنفالية!