«كينجي ميزوغوشي وفن السينما اليابانية» كتاب جديد صدر عن المؤسسة العامة للسينما بدمشق (2012)، للمؤلف الياباني تيداو سيتو، وبترجمة لعبدالله ميزر، الذي سبق له ان ترجم كتبا أخرى في سلسلة «الفن السابع»ذاتها، و الكتاب الجديد يحمل الرقم 210 في السلسلة. ربما تنضاف هنا أهمية أخرى للكتاب تنبع من هوية المؤلف نفسه، فهو ياباني، ويعرف خاصية ميزوغوشي، ربما أكثر ممن وضعوا كتبا من جنسيات أخرى عن هذا المخرج الذي يعتبر «أحد كبار صانعي السينما» في التاريخ، بحسب دفاتر السينما الفرنسية، لأنه يدخل في عوالمه من بوابة أفلامه، وذلك ب«تقييم عمله ضمن التاريخ الثقافي والاجتماعي في اليابان». ولأن الأمر قد يغدو كذلك للوهلة الأولى، فغالباً ما يقع المؤلف سيتو أسيراً لأسئلة تأتي من قبل الأجانب المهتمين بالسينما اليابانية، وبخاصة لسؤال مراوغ يبدو هنا أنه بحاجة لإجابة متعمقة متعلقة بالمخرج الياباني الأكثر اخلاصاً للتقاليد اليابانية، والأكثر تأثرا بالثقافة الغربية من بين المخرجين العظماء من امثال اوزو ياسوجيرو، وآكيرا كوروساوا. يعتقد المؤلف عند هذه النقطة إنه لم تكن هناك ثقافة يابانية نقية ومتفردة، وذلك بسبب وجود السلطة الاقطاعية حتى منتصف القرن التاسع عشر حيث كانت الثقافة اليابانية وأحاسيسها الجمالية والأخلاقية مختلفة جدا عما هي عليه اليوم. ويرى المؤلف سيتو أنه مع الوقت بدا عهد التحديث والغربنة، فعبّر كوروساوا الذي ينحدر من عائلة ساموراي عن التقاليد الأخلاقية والجمالية لروح الساموراي بفنية وخصوصية عالية ، فيما استطاع اوزو ياسوجيرو الذي كان ينتمي لعائلة ثرية، صنع أفلام كانت الأكثر تعبيرا عن ثقافة البرجوازيين المختلفة خلال حداثة اليابان وتأتّى ذكاء ميزوغوشي - موضوع الكتاب - في تحويل نمط (كابوكي) وتقليد الرقص الياباني الى السينما اليابانية، وكلاهما من منتجات ثقافة تجارية ليابان اقطاعية، وأخير يضيف المؤلف سيتو اسم امامورا شوهي الذي تعلم كثيرا من المزارعين، وهذه هي الأسباب التي ربطت مثل هؤلاء المخرجين بالتقاليد اليابانية المغرقة في خصوصيات بالغة التعقيد، وكل واحد بطريقته الخاصة تحت تأثير عارم للغربنة، في وقت كانت السينما اليابانية تشهد على خلق أحاسيس حديثة بالذات وتحولات الفرد الياباني أمام سيل متعاظم من الحداثة الغربية المستوردة . بالطبع لا يمكن تحديد الفوارق في أسلوبية الكتابة، من خلال وجهة النظر هذه، بين الأفلام اليابانية والثقافة اليابانية، وهذا ماسنلحظه في فصول الكتاب الكثيرة التي لم تهمل التأكيد على عمق هذه العلاقة، وتبيان الطريقة النقدية الخاصة بالمؤلف باعتبار أن الفيلم هنا هو تاريخ ثقافي واجتماعي أيضا . لم تكن عملية انضمام ميزوغوشي سهلة الى عالم الفن السابع، ففي عشرينات القرن الماضي كانت السينما لاتزال تلوح في المخيال الشعبي الياباني بوصفها فن السفهاء والعصابات الاجرامية (الياكوزا)، ولهذا كان من الطبيعي أن لا يلقى الفتى في توجّهه تأييد الأب أو الأخت التي لعبت دوراً كبيراً في تربيته وتكوينه، وهي الأخت التي ترسم صورة «الحب النقي». فحتى مدير استوديو نيكاتسو، كما تذكر حوليات هذه السينما، كان عضواً في عصابة كانت تتحكم بشكل كبير بكل من يعمل فيها، ولكن التحول العاصف باتجاه الشركات الحديثة أدى الى انخفاض تأثير الياكوزا والشخصيات الظلامية الاخرى. ومنذ العام 1930 بدأ يخفت الخوف من هذه الصناعة بنتيجة التسلط العسكري – للمفارقة – اذ توقف النمط الانفلاتي، وبدأ دعم انتشار الايديولوجيات التي وقفت وراء صنع أفلام جادة أخذت تحظى بالثناء والجوائز على حد سواء. لم ينج ميزوغوتشي رغم مسايرته لتلك الفترة، فبعد الرقابة الشديدة على فيلم «السيمفونية الحضرية» وفيلم «ومع ذلك يذهبون» توقف ميزوغوشي عن صناعة الأفلام الخاصة بالبروليتاريا، فقد خضع لاستجوابات قاسية من الشرطة وأصبح خائفا على تجربته وكان ذلك كافيا لتخويف أي شخص على الرغم من أن ميزوغوشي لم يكن جبانا ، ولكن لم يكن مولعا كفاية على مايبدو باليسار، فدفن نفسه في فترة مييجي (ثلاثينات القرن الماضي) في الأعمال العاطفية، التي حقق خلالها افلاما عديدة ومن بينها «عصابة جيبون» و«بوبي». واستطاع عام 1937 أن يحقق فيلم «مأزق الحب والكره» بمستوى ميلودرامي قوي فقيل عنه إنه فيلم منمق ، وكان مجرد ترجمة سينمائية لرواية «البعث» لتولستوي، لقد كان صعبا تخيّل كيف يمكن لهذه الرواية أن تتحول على نحو رائع إلى دراما يابانية متكاملة ، فالحب مستخدم هنا لاعطاء شكل أو توضيح لفكرة الطبقة، اذ يكمن الصراع بمجمله هنا بين اؤلئك الذين يودون الابقاء على الواقع الحالي، واؤلئك العشاق الذين يرغبون في تغيير واقعهم، وهذا بالضبط هو ماكان يصنع قاعدة للدراما في حالة «المعلم ميزوغوشي». يجيء تيداو سيتو على جنون زوجة ميزوغوشي، فيرى أنه كان بمثابة المأساة الكبيرة التي تسببت له بمعاناة عظيمة، وسيمكن رؤية هذا على نحو واضح في بلورة الفن المبني على الأفكار البوذية في التكفير والصلاة وخاصة في أفلامه اللاحقة ومنها «حياة اوهارو» و«الحاكم سانشو». ويمكن بحسب الكاتب ملاحظة أن كينجي ميزوغوشي عمل طوال حياته على قصص النساء اللواتي يكرسن حياتهن لمساعدة الرجال ذوي الارادة الضعيفة. فربما كان يظهر النساء ضعيفات ، لكنهن كن يملكن أرواحا لاتقهر مثل السيف الياباني برموزه المتعددة والمتسلطة. ومن الواضح هنا أن ميزوغوشي استخدم السمات الشخصية للناس القريبين منه، وكان هناك أدلة كما يذهب المؤلف إلى أنه كان في حال شجار دائم معهم. إنها سيرة سينمائية حافلة تلك قدم فيها ميزغوشي 86 فيلما بين عامي 1922 – 1956 كان من بينها لا شك الروائع الفنية الخالدة مثل «حياة اوهارو» و«اوغيستو مونيغاتوري» و«امراة من اوساكا» و«مرثية اوساكا» و«مسيرة طوكيو». ويبقى إن ميزوغوشي قدّم جوهر المجتمع الياباني بطريقة واقعية ذكية بمقاربتها المباشرة للمشاكل الاجتماعية، ولكن هذا لم يمنع المخرج الروسي اندريه تاركوفسكي من القول عنه إنه المخرج القادر على الذهاب الى ما وراء حدود المنطق المتماسك ونقل التعقيد العميق وحقيقة الارتباطات غير المحسوسة وظواهر الحياة الخفية.