لم ترفع الحاضرات أيديهن، ولم يجبن بصوت واضح، إلاّ أن الصخب الذي ضجّت به القاعة أشار إلى أن عددهن كبير. كانت إجابة واضحة عن سؤال: «كم مرة نظرت حولك في مكان مكتظ ولم تجدي طفلك؟»، بدا عدد الأمهات اللواتي تعرّضن لمثل هذا الموقف غير قليل في قاعة غصّت بالحضور من أمهات ومعلمات وحادقات أطفال فضلاً عن حضور متنوع من أطباء واختصاصيين ومهتمين. السؤال جاء في إطار ورشة عمل أقيمت في جامعة القديس يوسف، بتنظيم من نقابة حضانات الأطفال في لبنان بالتعاون مع kidproof الكندية، ووزارة الصحة في لبنان. ورشة العمل التي حملت عنوان «سلامة الأطفال من سلامة العائلات»، قدمت للحضور نظرة وافية عن الأمور الوقائية التي يمكن العائلة والأم في شكل خاص الاستناد إليها من أجل حماية طفلها أو طفلتها من أي اعتداء أو تحرش جنسي. استندت ورشة العمل الى دراسة وحيدة أجريت عام 2008 تفيد بأن 16.1 في المئة من الأطفال في لبنان عرضة لاعتداء جنسي. دراسة وإن ارتكزت اليها رئيسة شركة «كيد بروف» في الشرق الأوسط دارين المصري، إلاّ أنها شكّكت بحقيقة الرقم معتبرة أن الرقم أكبر من ذلك حتماً، إذ إن مثل هذه الحوادث قلّما يتم الابلاغ عنها أو كشفها خوفاً من «الفضيحة». وكشفت المصري أن الدراسات العالمية تشير إلى أن فتاة على أربع معرضة للتحرش الجنسي، وولد على ستة، تحت سن الثامنة عشرة، موضحة أن هذه الأرقام باتت شبه موحّدة في العالم، بخاصة أن التحرش الجنسي قد يأتي من أقرب المقربين أو عبر الانترنت. قواعد «ذهبية» يجب على الأهل اتباعها بما يؤمن أطفالهم من أي مخاطر مستقبلية، وما هو موجّه للأهل تعتبر المدرسة أيضاً معنية به ودور الحضانة، وإن كانت الأخيرة غير معنية في شكل مباشر بالموضوع، إذ إن الأطفال غالباً ما يصبحون عرضة للتحرش الجنسي بعد الثالثة من عمرهم، ويعتبر الطفل في سن التاسعة الأكثر عرضة على الإطلاق لمثل هذه الاعتداءات، ويكون الطفل في هذه المرحلة في المدرسة. إن كان «درهم وقاية خير من قنطار علاج» في الحالات المرضية، فإنه في هذه الحال ينقذ حياة طفل بالكامل. وتبدو القاعدة الأساسية التي يقوم عليها الأمر برمته، «إن كان أمر ما يمكن أن يتم في دقائق، إلاّ أنه لا يتطلب أكثر من ثوانٍ كي يتحول من شيء جيد إلى حدث جد سيئ»، وكأهل أو مسؤولين عن الأطفال لا بد من تحمّل المسؤولية في حماية أطفالهم. «لا تذهب الى أي مكان من دون إذني»، قاعدة يجب أن توضحها الأم في شكل قاطع وصريح لأطفالها وعدم التسامح بخرق هذه القاعدة. وتلفت المصري إلى ضرورة أن تثق الأم بغريزتها، فإذا ما شعرت بعدم الراحة لأي أمر من الأمور عليها أن ترفضه بكل صراحة وتجنب طفلها الموقف الذي لم يعجبها، كما تؤكد ضرورة الثقة بغريزة الطفل أيضاً، وتوضح: «الغريزة هي أداة الدفاع عن النفس الفطرية التي يملكها طفلك»، وبالتالي إذا ما وجدت طفلك يرفض الاقتراب من شخص ما لا تجبريه على ذلك. ويتوجب على الأهل إعطاء الحرية للطفل ليرفض على سبيل المثال تقبيل عمّه أو خاله، وليس خوفاً من هؤلاء وإنما حرصاً على إعطائه الفرصة بأن يضع حدّاً لأي شيء يضايقه وأن يشعر بأنه حر بجسمه. وعملت ورشة العمل على التأكيد ألاّ يلجأ الأهل الى الازدواجية بتفسير الأمور كالقول للطفل «لا تكلم الغرباء»، وبعد حين نطلب منه تقبيل «صديق لنا لم يره من قبل»، وألاّ يستخدموا مقولة «عيب عليك تقبيل فلان أو علاّن»، فإن تربية الطفل على ثقافة الخضوع لطلبات الآخرين تضعه موضع «الضعيف» الذي يتوجب عليه تلبية ما يطلبه الآخرون من دون نقاش. وشدّدت المصري على أن على الأهل تحذير الأطفال من الشعور «بالسلوك الغريب» الذي قد يظهره أي متحرش بالأطفال. فوفقاً لKIDPROOF، ليس «الغرباء» من يتعين علينا تحذير الأطفال منهم، بل علينا تحذيرهم من «السلوك الغريب». والتحذير يجب أن يحصل من دون زرع الخوف في نفوس الأطفال، كالتوضيح لهم أنه يمكنهم إخبارهم إذا لم يشعروا بالراحة لشخص ما. ولأن الطفل غالباً ما يقع ضحية أشخاص «يثق» بهم، فإن جرائم الاعتداء الجنسي التي يرتكبها الغرباء هي أقل 10 في المئة من مجمل هذه الحوادث، فعلى الأهل التنبه ممن يحذروه وعدم ربط الخطر بصفات «مخيفة» للشخص المعتدي، الذي غالباً ما تكون صفاته جداً مقبولة وبخاصة من الأطفال. ولفتت إلى أن الفئة العمرية الأكثر عرضة للتحرش على الإنترنت هم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و 15 عاماً، معتبرة أنه يمكن تفادي مخاطر الانترنت بجعل الأطفال يستخدمون عنوان بريد الكتروني لا يدل على الجنس (ذكر أو أنثى) ولا يحتوي على أي إيحاء جنسي. والعمل على تسجيل الأطفال الصغار، ضمن بريد إلكتروني خاص بالأسرة كافة واستخدامه من جميع أفرادها. والتحذير من عدم إعطاء عنوان البريد الإلكتروني أو قبول إضافة الأصدقاء ما لم يكن الأهل يعرفون هوية هذا الشخص، والأطفال يعرفونه وجهاً لوجه. ولأن «أي أمر جيد قد يتحول إلى أمر سيئ خلال ثوان»، تكثر التفاصيل في طريقة تمكين طفلك من حماية نفسه، وتبقى الخطوة الأهم في تمكينه من التعرف الى المخاطر واتخاذ الخيار السليم، من خلال بناء ثقته بنفسه عبر المعرفة التي تعتبر الحلّ الوحيد لحمايته في سنوات نموه.