إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    وفاة رجل بسرطان من تبرُّع.. هل تنتقل الأمراض النادرة عبر عمليات الزرع ؟    الذهب يسجل أعلى مستوياته في 4 أسابيع وسط مكاسب للمعادن النفيسة    تدشين مشروع مراقبة وضبط مخالفات مصادر المياه واستخداماتها    استشهاد أربعة فلسطينيين في غارة إسرائيلية على دير البلح    وزير الخارجية يبحث المستجدات مع نظيريه الإسباني والبريطاني    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    المحاولة ال13.. هل ينجح لبنان اليوم ؟    النصر في اختبار الأخدود.. والرياض يخشى الخليج    15 ظاهرة جويّة حادّة شهدها العام 2024    وزير الطاقة ونظيره الهيليني يترأسان اجتماعات الدورة الأولى للجنة الطاقة بمجلس الشراكة الإستراتيجية السعودي الهيليني    الرماح والمغيرة يمثلان السعودية في رالي داكار 2025    الأردن: السجن ل 3 متهمين في قضية «حج الزيارة»    النقش على الحجر    من أنا ؟ سؤال مجرد    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    "حرفة" يعرّف بدور محافظات منطقة حائل في دعم وتمكين الحرفيين    هوبال    الاتحاد يصطدم بالشباب.. والقادسية يواجه الرائد    ما ينفع لا ما يُعجب    رابطة العالم الإسلامي تُدين وترفض خريطة إسرائيلية مزعومة تضم أجزاءً من الأردن ولبنان وسوريا    بيئة الجوف تنفّذ 2703 زيارات تفتيشية    برشلونة يتأهّل لنهائي كأس السوبر الإسباني على حساب أتليتيك بلباو    11,9 مليار ريال إجمالي تمويل العقود المدعومة للإسكان في 2024    تعزيز التعاون السياحي السعودي - الصيني    بلدية محافظة الشماسية تكرّم متقاعديها تقديرًا لعطائهم    تدشين المرحلة الثانية من «مسارات شوران» بالمدينة    345.818 حالة إسعافية باشرها "هلال مكة" 2024    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    طالبات من دول العالم يطلعن على جهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    أمانة مكة تعالج الآثار الناتجة عن الحالة المطرية    67 % ضعف دعم الإدارة لسلامة المرضى    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة ينجح في استئصال جزء من القولون مصاب بورم سرطاني بفتحة واحدة    2.1 مليون مستفيد في مستشفى الملك خالد بالخرج    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل حملة "التوعية باللعب الالكتروني الصحي"    "القادسية" يحقّق بطولة "طواف الأندية السعودية" 2025    «ترمب شايل سيفه»    تحرير الوعي العربي أصعب من تحرير فلسطين    التأبين أمر مجهد    الاتحاد والهلال    أمير المدينة يطلع على مشاريع تنموية بقيمة 100 مليون ريال    الاتحاد يوافق على إعارة "حاجي" ل"الرياض" حتى نهاية الموسم    وزير الخارجية ومفوض"الأونروا" يبحثان التعاون    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    إنتاج السمن البري    المملكة تتصدر حجم الاستثمار الجريء في عام 2024    تعزيز الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    دكتور فارس باعوض في القفص الذهبي    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    على شاطئ أبحر في جدة .. آل بن مرضاح المري وآل الزهراني يحتفلون بقعد قران عبدالله    اطلع على إنجازات معهد ريادة الأعمال.. أمير المدينة ينوه بدعم القيادة للمنظومة العدلية    يهرب مخدرات بسبب مسلسل تلفزيوني    قصة أغرب سارق دجاج في العالم    المنتخب الجيد!    أمير المدينة يتفقد محافظة العيص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«عبرة وذكرى ... الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده »
نشر في الحياة يوم 09 - 08 - 2014

يعبّر كتاب سليمان البستاني «عبرة وذكرى... الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده» عن الآمال التي علقها دعاة الحرية والدستور على هذا الانقلاب الدستوري في العام 1908 والذي كان بمثابة ثورة فرنسية كبرى ستغير في مصائر الدولة وتنقلها إلى مصاف الدول القوية والحديثة وسيحمل معه حلاً لكل ما تعانيه من ضعف ومشكلات. وهو أيضاً مرآة للأفكار والتصورات والآمال لدى الجيل الذي شارك في صنع الانقلاب. يقول السفير خالد زيادة والذي قام بتحقيق ودراسة الكتاب الصادر حديثاً عن دار «رؤية» في القاهرة ان سليمان البستاني (1856-1925) شخصية أدبية وسياسية بارزة وقد عرف بصفته مترجماً للإلياذة وهو العمل الذي استغرق منه ست سنوات، فباتت تلك الترجمة علامة فارقة في الأدب العربي الحديث، كما ان برنامج البستاني الإصلاحي ليس ابن ساعته، فالمعلومات والمعطيات التي يقدمها تنم عن تفكير عميق بأحوال الدولة العثمانية ورؤية تستند إلى دور الاقتصاد في نهوض الأمة العثمانية بشعوبها المختلفة، فهذه البلاد تحتضن طاقات اقتصادية لم تستغل ولم تستثمر، من الزراعة إلى الصناعة إلى الثروات الطبيعية وصولاً إلى السياحة.
يرى زيادة أن كتاب «عبرة وذكرى» لا يقتصر على كونه برنامجاً اصلاحياً وإنما هو في الوقت ذاته رؤية نظرية لماضي وحاضر ومستقبل الدولة العثمانية. وهذه الرؤية النظرية تتوزع على ثلاثة مستويات: مرجعية الإصلاح - تفكيك الاستبداد - وحدة الدولة والشعوب العثمانية.
ويستعرض البستاني سريعاً في بداية كتابه محاولات الإصلاح خصوصاً منذ عهد السلطان سليم الثالث الذي أعلن أول مشروع إصلاحي في نهاية القرن ال 18، ومحمود الثاني الذي عمد إلى إلغاء قوات الانكشارية، وصولاً إلى عصر التنظيمات الذي ابتدأ مع إعلان خط كلخانة الإصلاحي في عام 1839 في بداية عهد السلطان عبد المجيد واستمر خلال عهد السلطان عبد العزيز الذي توج بإعلان الدستور عام 1876 في بداية عهد السلطان عبد الحميد الثاني والذي يذكر البستاني فضله مرتين المرة الأولى لعمله على إنشاء خط الحجاز الحديدي والمرة الثانية حين يستعرض احوال العلم والمدارس فيذكر فضله في فتح المدارس والمعاهد في انحاء السلطنة.
ويضيف زيادة: هذا التراث الإصلاحي هو مرجعية البستاني في دفاعه عن الدستور في مواجهة الاستبداد لأن مرجعية البستاني هي نفسها مرجعية الإصلاحيين ودعاة الحرية الذين اعتبروا أنفسهم منتصرين بعد الانقلاب ومن هنا فإن الدستور هو الحد الفاصل في تاريخ الدولة العثمانية بنظر فريق واسع من المنضمين في جمعية تركيا الفتاة وحزب الاتحاد والترقي.
أما المرتكز الثاني في كتاب البستاني فهو جدلية الاستبداد والحرية فالاستبداد في عرف البستاني هو بمثابة الآفة التي خربت كل مناحي الحياة في الدولة والمجتمع، فالتأخر والجهل والفساد والظلم إنما مرجعها إلى الاستبداد، وغياب الحرية والقول، والتنكيل بالأحرار هو سياسة الاستبداد ولهذا فإن المعادلة التي يضعها البستاني هي الحرية مقابل الاستبداد. وضمان الحرية يكون بالدستور المؤسس على حق المواطنين باختيار ممثليهم، وهو الذي يضمن الحريات من قول وفعل وعمل وتأسيس الجمعيات وحق التعليم والمتاجرة.
ويضيف زيادة : أما المرتكز الثالث في كتاب «عبرة وذكرى» للبستاني فيتأسس على وحدة العثمانيين، فالأمة العثمانية مكونة من أعراق وأديان متباينة لكنها تلتقي في هوية واحدة هي العثمانية التي تجعل من كل ابناء الأعراق والأديان عثمانيين، وإذا كانت هذه الوحدة قد شابتها الشوائب وخصوصاً في الأحداث الطائفية وتناحر الأتراك والأرمن، فإن الاستبداد طاول الجميع من دون تمييز، المسلمين قبل المسيحيين، وإعلان الدستور بإعادة اللحمة بين الأعراق التي تتكوّن منها الأمة العثمانية لأنه يعيد الثقة ويضع الجميع على قدم المساواة. إلا أن الأمة العثمانية في نظر البستاني هي في نفس الوقت المعبر عن روح الشرق إزاء أوروبا، وهي تملك من الإمكانات ما يؤهلها لتكون دولة متحضرة بين الأمم.
أن الوحدة العثمانية وفق البستاني، لا بد أن تنهض على أسس وهي التالية: اعتماد لغة تعليم واحدة هي التركية حتى يتفاهم جميع العثمانيين فيما بينهم، وإلزام كل أبناء العثمانيين بالتجنيد حتى لا يشعر طرف بالغبن وآخر بالنقص، أما القاعدة الثالثة التي تؤكد الوحدة فهي التنمية والنظر في أحوال الفلاحين البائسين وإصلاح أرضهم بمشاريع الري وإقامة السدود وحفر الترع والقنوات. وإطلاق حرية التجارة وتشجيع الصناعة، واستخراج موارد الأرض من فحم حجري ومعادن ونفط. وبسبب عثمانيته المفرطة، يتجنب سليمان البستاني الإشارة إلى التيارات أو النوازع الداعية إلى الانفصال لدى عدد من الشعوب التي تنضوي تحت السلطنة، فالبستاني بدأ بتحرير كتابه بعد أيام قليلة من الانقلاب الدستوري وقد أنجزه في ظرف أربعة أشهر، وكان شديد التفاؤل بالمظاهر المؤيدة للانقلاب وإعلان الدستور والترحيب الذي عمّ المدن والقرى في تلك الآونة.
على عكس الآمال العريضة التي يتفاءل بها سليمان البستاني، فإن الانقلاب الدستوري 1908، كان فاتحة لصراعات داخلية وهزائم عسكرية وتبلور نزعات قومية أبرزها التعبيرات العربية، عدا عن تفاقم التدخلات الأوروبية في الولايات العثمانية، وإذا كان سليمان البستاني قد بقي أميناً لأفكاره، فإن اندلاع الحرب العالمية قد زاد في أزمات الدولة. وكان دخول الفريق الحاكم في اسطنبول الحرب إلى جانب المانيا، بمثابة العلامة على هزيمة الدولة النهائية وانهيارها.
ويختتم خالد زيادة بقوله إن كتاب «عبرة وذكرى» لسليمان البستاني يحتفظ بقيمته كشهادة على لحظة تاريخية في الفصل الأخير من تاريخ الدولة العثمانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.