تُقدم المخرجة السورية الشابة ايناس حقي في مسلسلها الجديد «أصوات خافتة» على تجربة تتميز بالشجاعة والجرأة لجهة تحريك مادة درامية لم يتم التطرق إليها من قبل في الدراما السورية المعاصرة. فالمسلسل الذي كتبته سلاف رهونجي يتحدث عن حياة الصحافيين في سورية للمرة الاولى، ولكن ما يهمنا هنا في هذه العجالة هو حكاية موسيقية أرادت المخرجة حقي أن تحول مادتها إلى معاناة راقصة باليه سورية، باعتبار أن معهداً لرقص الباليه الحديث موجود في سورية، وكثيرون من السوريين لا يعرفون بوجوده. لا نعرف ما إذا كانت وظيفة الدراما التلفزيونية أن تعرّف المشاهد بوجود مثل هذا المعهد، ولكن ما هو أكيد أن المخرجة الشابة التي درست في هذا المعهد، وتخرجت منه لم تجد فضاء أمامها يمكنها الإطلال منه على هذا العالم من خلال الطيران الرشيق الذي يميز الجسد الانساني في معركته الجميلة مع المكان. تحسن المخرجة الشابة صنعاً وهي تقوم بهذه التحويرات الدرامية الثمينة في النص المكتوب بالاتفاق مع الكاتبة رهونجي لحساب مسلسل معاصر يمكنه أن يقدم صورة طيبة عن مآل دراما باتت تكثر من ندب حاضرها، إما بالتذمر من الأزمة المالية العالمية وتخبط صناعها بين واقع الانتاج والتوزيع، وإما باستحضار مسلسلات الأسود والأبيض والتحسر عليها وعلى صناعها وكتابها على رغم اعتراف الجميع ببدائية صنعها. لا يمكن بالطبع تجاهل مسلسلات مثل «حمام الهنا» و «مقالب غوار»، وهي قد مهدت لظهور الأعمال اللاحقة، ولكن بات لافتاً استحضارها المكثف في الصحافة المكتوبة والمرئية، وكأن الدراما السورية المعاصرة لم يعد بوسعها عمل شيء من دونها، مع أن بعض المشاريع التي تصور حالياً تؤكد وتدلل على أن هذه الدراما وإن تناقص عدد مسلسلاتها لأسباب مختلفة لايزال بوسعها قول امور جوهرية. «أصوات خافتة» بحسب مخرجته التي لم يعد يرهبها العمل مع ممثلين محترفين بالنظر إلى حداثة سنها تؤكد أن عملها مع أبيها المخرج المخضرم هيثم حقي سنوات عدة كمخرج منفذ سمح لها بتجاوز «رهاب» العمل مع هؤلاء الممثلين، وجلّ ما تسعى إليه الآن في مشروعها الجديد هو امكانية محاكاة هذا الفضاء المشرع أمام راقصة باليه سورية. وهذا لا يعني أن ايناس حقي تقدم شيئاً من تجربتها الخاصة كما تقول، لأن هذه معاناة الكثير من زميلاتها اللواتي تخرجن قبلها أو بعدها ولم يجدن الفضاء مفتوحاً أمامهن. «أصوات خافتة» فيه حكايات عن الصحافيين السوريين، وفيه أيضاً الأصوات التي يحدثها الجسد الانساني لحظة طيرانه وبقائه معلقاً لثوان في فضاء يفترض أنه مفتوح على الدوام. وهي أصوات تستحق الثناء، على رغم أن هذا التحليق سيأتي مشفراً هذا الموسم على محطة «أوربت» مالكة العمل ومنتجته، وفي هذا عبور نحو فضاء مكتوم آخر للحديث عنه صلة!