أكد الشاعر والكاتب محمد العلي أن الثقافة في السعودية في حاجة إلى حرية فقط. وأوضح أن ما يحدث للثقافة اليوم هو تدمير واستدراج لها لتكون مستنقعاً. ووصف العلي نفسه ب«المتمرد»، لافتاً إلى أن الخطأ يقع بين مرحلتين التمرد والاستسلام. وكشف محمد العلي في حوار مع «الحياة» عن قصيدتين كتبهما بصدق في حياته كلها، وتوجه بهما إلى سيدتين، إحداهما كانت غزلاً، والأخرى وداعاً. واعتبر أن تشبيه البعض له ب«جبل قارة في الأحساء» لا يمثل له أي قيمة، بقدر ما يمثل له نجاح كتاباته في الوصول إلى الناس، معتبراً ما يكتبه في عموده الصحافي ب«الفلسفة»، مشيراً إلى أن آخر نتاجه كان عن «الأوهام» ...إلى تفاصيل الحوار: ثلاثة كتب صدرت لك وعنك، خلال وقت وجيز، كتابين ضمّا مختارات من مقالات لك، وكتاب آخر للشاعر والكاتب علي الدميني حول تجربتك، ماذا تعنيه لك هذه الكتب؟ - الكتب التي صدرت عني، تعني أنني مررت بمراحل، وهذه المراحل تحمل ما هو صحيح وما هو خاطئ أيضاً، لكنني صدقاً أجد نفسي قد تجاوزت هذه المراحل. ما الأشياء التي وجدتها صحيحة وما الأشياء التي وجدتها خاطئة؟ - في هذا الوقت لا أستطيع التحديد، ذلك بحكم الطريقة التي تحدث بها الناقد، لكن من وجهة نظري فإن الصح والخطأ يتبعان المرحلة والزمن الذي يعيش فيه الإنسان، إذا استطاع التغلب على هذه الظروف فسيكون سلوكه صحيحاً، وفي حالة عدم استطاعته فسيكون أسيراً لهذه الظروف. الإنسان ابن للبيئة التي نشأ وترعرع فيها، ولديه أحد الخيارين، إما أن يتمرد عليها وإما أن يستسلم لها. التمرد والاستسلام الذي أقصده هنا ليس كاملاً، لكون المرحلة التي بين الاستسلام والتمرد هي التي يقع فيها الخطأ. وكيف تصنف نفسك كإنسان وشاعر، استسلمت أم تمردت على الظروف؟ - كنت متمرداً، لكن بين التمرد على الشيء والخروج منه، هناك فترة يقع فيها الخطأ، فالتمرد ليس قفزة إنما استمرار وخروج من الباب أو النافدة، والفترة من الخروج للخارج هي الفترة التي قد يقع فيها الخطأ. كتاب علي الدميني نشر على حلقات قبل أن يطبع في كتاب، هل طالعت تلك الحلقات أو بعضها، وما رأيك فيها؟ - نعم اطلعت على ما كُتب عني ولكن سَلِي علي الدميني ولا تسأليني. في رأيي، إنه محب تحدث عن إنتاج من يحبه، بالتالي، لا بد أن يجد مني عين الرضا كما يقال. من هنا دعني أسألك، حينما يقال إن هناك قصاصتين في صحيفتين مختلفتين إحداهما تتوجه إليك بسهام النقد والأخرى بالثناء، أيهما تتناولها أولاً لتقرأها؟ - بكل صدق، أميل إلى القصاصة التي تثني علي. إنني أميل للانتقاد بلا شك، لأنه يوجعني وبالقدر نفسه يطورني وهذا ما يدعوني لتقديره بعض الأحيان. هل تشعر بالاختلاف، بعدما أصبح لديك اليوم كتب، بعد عقود من التحرر من سلطتها؟ - الآن لا تهمني الكتب إطلاقاً، بقدر ما يهمني التحرر من كل ما من شأنه أن يعوقني عن أن أكون إنساناً متحرراً أو متمرداً. لا تزال تواصل الكتابة الصحافية، ألا تحتاج في رأيك هذه الاستمرارية، لمحرض يومي، إذا كان الأمر كذلك، فما محرضك اليومي على الكتابة؟ - الناس والأوضاع والحياة هي من يحرضني على الاستمرار، أنا لا أكتب مجاناً، بل أكتب للناس وللوضع الذي يجب أن يتغير، الجملة التالية «لا بد أن يتغير الوضع» هي من يحرضني على الكتابة. طالما يتقاضى الكاتب ثمناً لما يكتبه، فهل من الممكن أن يخرج الكاتب عن آرائه أو بعض من مبادئه من أجل رؤية الصحيفة التي يكتب فيها؟ - بالطبع، فالكاتب لن يخرج من مبادئه، إنما لا مبادئ له من الأصل. من يحفزك أكثر للكتابة المرأة أم الرجل، من خلال قضايا مجتمع؟ - الفصل بين المرأة والرجل يعد ماضياً سخيفاً، من المفترض ألا يكون هناك ثنائي بين الرجل والمرأة، بمعنى أن الحياة قوامها الاثنان، ومن يفصلهما عن بعض يكون قد فصل الحياة. في العامين السالفين اشتعلت كثير من القضايا في المجتمع السعودي، أيها أثرت فيك نفسياً وكتبت عنها من القلب للقلب؟ - آخر ما كتبته كان عن الأوهام، حين وجدت أن العالم العربي بأكمله تسيره الأوهام. وما يهمني الآن أن أوصل للناس رسالتي وهدفي، بحسب ما أكتب وما أستطيع لأخبرهم بأن هذه «أوهام». ككاتب لعمود صحفي، لأي مدى يغلب على كتاباتك الصحافية طابع الشعر والقصيدة؟ - يغلب على كتاباتي الطابع الفلسفي لا الشعري، وفلسفتي في الحياة أن يكون الناس أفضل مما هم عليه الآن. يشبهك البعض ب«جبل قارة» في الأحساء. وكما قال كاتب التشبيه «لكنه أقصر قامة وأدق أنفاً» إلى أي مدى يسعدك هذا النوع من التشبيه والثناء؟ - لا يهمني أن يشبهني الناس ب«جبل قارة» أو الهمالايا، إن ما يهمني هو أن أفعل، وهل ما أكتبه له تأثير واقعي في المجتمع أم لا؟ عشت لسنوات في العراق، ما أهم ما ميز نشأتك هناك وأصقلها كشاعر وكاتب؟ - العراق كان وما زال بركاناً، ومن يعيش في البركان ليس كمن يعيش على الضفاف أو الخليج، وأنا أقصد بالبركان هنا الحياة الاجتماعية التي تغلي فيها الأفكار والرؤى والتطلعات، عشت في ذلك البركان فترة طويلة من الزمن تجاوزت ال15 عاماً. العراق به ثروة أدبية وفنية، في رأيك لماذا الحركة الأدبية في العراق على رغم من هيجانها وتألقها مقيدة، وهناك ما يمنعها من إطلاق هذا الجو الثقافي للعالم بالشكل الطبيعي؟ - سؤال جميل، القيد الذي يمنع من انتشار هذا الجو الثقافي هو كسر هذا القيد، العراق كشعر غزا العالم العربي وهو المسيطر على العالم العربي. القيد موجود لأن العراق مستهدف للهدم وقد هدم العراق الآن، ومع ذلك وبالرغم من أنه مستهدف، لكنه هو من غزا العالم العربي وطوره شعرياً. هل صحيح أن الشعراء في حياتهم نساء كثيرات لتكون قصائدهم ذات مفعول صادق وحقيقي؟ أخبرني بشيء مفاجئ لمحبيك؟ - شعرياً لا، لربما حياتياً نعم. لكنني كتبت شعرياً مرتين بصدق فقط. من هي وما تلك القصيدة الأولى؟ - «ابتسم» أول مرة كتبت شعرياً عن المرأة، كانت القصيدة التالية: «صدح الباب.. فشربي اللحن يا أذني/ وأروي به ظمأ الأماني/ هي..أني أحس هرولة الشعر/ بنفسي وعقدةً في لساني». هذا أول ما كتبته في حياتي، وكانت في ظروف فترة المراهقة للتذوق وقد للتسوق وقد للحب. وما القصيدة الثانية، ولمن كانت؟ - كانت حين فقدت زوجتي وعنوانها «لا أحد في البيت» ويقول مطلعها: ضع حنينك منتظراً مثل جداراً يكاد أن ينقض... مثل ماءٍ لا يرى شجراً... مثل رمادٍ لا يتذكر ما كان... مثل هواءٍ أعمى فلا أحد في البيت». من بعد هاتين القصيدتين ألم تكتب عن المرأة ما هو صادق من القلب للقلب؟ - كلا. باستثناء هاتين القصيدتين متى كانت آخر مرة كتبت فيها قصيدة جديدة، وهل تجد صعوبة في الكتابة الشعرية؟ - كان منذ عامين، كتبت قصيدة بعنوان «الوجع»، لكنني لا أتذكرها الآن، وبالنسبة إلى الشق الثاني من سؤالك فأنا أشعر بالغربة دائماً، أنا غريب، لست غريباً بالمعنى الصوفي إنما أنا غريب من النوع الوجودي. كيف ترى الانتخابات التي أجرتها وزارة الثقافة فيما يخص الأندية الأدبية، وهل فعلاً خرج الأدباء والمثقفون من هذه الأندية وتم إحلالهم بالمعلمين والأكاديميين والدعويين، لكن بطريقة تبدو «ديموقراطية» بحسب التوصيف؟ - الثقافة بحاجة إلى حرية فقط، ولا تحتاج إلى وزارة، وما يحدث هو تدمير واستدراج للثقافة لتكون مستنقعاً. مجلس الشورى وافق على مقترح بتشكيل مجلس أعلى للثقافة وهيئة عامة للكتاب، المثقفون باركوا هذه الخطوة، ألا تعتقد أنها خطوة متأخرة جداً، بخاصة في بلد مثل المملكة، فيها من المثقفين ما لا يتوافر في بلدان الخليج مجتمعة، ومع ذلك لديها مجلس للثقافة وهيئات للثقافة؟ - مجلس الشورى لا دخل له في قضايا الثقافة، إنما له شأن فيما يخص قضايا الأمة والمجتمع وأوضاعه. ما الذي يشغلك اليوم؟ - اليوم يشغل بالي كيف سأنام وماذا سأتناول في عشائي.