"بدأت القصة عندما قررت الهجرة من الريف باتجاه المدينة للبحث عن عمل، بعدما خطبت لي أمي ابنة عمي للزواج بها في فصل الربيع التالي"، يقول الشيخ الولي ولد محمد، حينما تسأله عن سبب احترافه مهنة بيع رصيد الهواتف الجوالة. والشيخ الولي شاب في بداية عقده الثالث، ينحدر من مقاطعة "أمبود" التابعة لولاية "غوروغول" في الجنوب الموريتاني. قرر كغيره من شباب المقاطعة عندما يبلغون سن الرشد، التوجه الي العاصمة نواكشوط، للبحث عن عمل، بعد أن أنهى دراسته "المحظرية" (كتّاب لتدريس القرآن)، وكان حلمه أن يعود إلى بلدته، وقد حصل على مهر عروسه، التي تنتظر عودته بفارغ الصبر منذ أشهر، لعقد قرانها كغيرها من فتيات البلدة اللواتي وجدن فارس أحلامهن. بعد وصوله إلى نواكشوط، عمل الشيخ الولي في أعمال تجارية مختلفة، إلا أنه لم يستمر في أي منها طويلاً، باستثناء مهنة بيع رصيد الهواتف، التي يمارسها منذ ثلاث سنوات. يحكي قصته مع عمله الحالي: "استقريت في هذا العمل لعوامل مختلفة أبرزها ربحه المضمون بأقل التكاليف". ومكان عمل الشيخ الولي عبارة عن مظلة مشيدة على ناصية أحد شوارع نواكشوط الرئيسية، مع مكبر صوت سجلت فيه مسبقاً دعاية للخدمات التي يقدمها: بيع بطاقات الشحن، وإرسال رصيد الهاتف النقال من خلال خدمة "مشيلي". يقول: "الأمر لا يتطلب رأس مال كبيراً، ولا حتى إمكانات خاصة، فقط ثلاثة هواتف، بها شرائح، لشركات المحمول الثلاثة العاملة في موريتانيا، موريتل، ماتل، شنقيتل، وتشكيلة من بطاقات شحنها". تزوج الشيخ الولي ابنة عمه التي هاجر إلى المدينة من أجلها، وأنجب منها طفلين حتى الآن، يعود إليهما في بلدته الأصلية كل موسم زراعة، لزرع نصيب أسرته في سد البلدة، من الذرة وبعض من أنواع الخضروات. عمله استقطب خلال السنوات القليلة الماضية الآلاف من الموريتانيين بمختلف شرائحهم وفئاتهم، واضحى أهم سوق للمهن الحرة، وتطورت أساليبه. والأهم أن بائعي رصيد الخليوي تحولوا إلى مصارف متنقلة، يستفيد منها المواطنون في عمليات تحويل النقود في أرجاء موريتانيا، بمقابل زهيد عن كل عملية تحويل. وتمتاز مهنة بيع الرصيد في موريتانيا بمرونة كبيرة من القائمين عليها الذين يحصلون على امتيازات قل ما يجدها نظراؤهم في المهن الأخرى، إذ إن معظمهم لا يدفع إيجار محل مزاولة نشاطه التجاري، كما لا يدفعون أي ضريبة للخزينة الموريتانية. لكن عملهم محفوف بالمخاطر، إذ يتعرضون في أحيان كثيرة لعمليات احتيال ونصب، خصوصاً في ساعات الليل المتأخرة. اليوم يتطلع الشيخ الولي إلى توسيع مجال عمله، بافتتاح فروع في مقاطعات نواكشوط التسع، ليستوعب إخوته العاطلين عن العمل في نشاطه التجاري.