بيانات النمو الاقتصادي للربع الثاني من هذا العام، والتي بلغت 4 في المئة في الولاياتالمتحدة و7.5 في المئة في الصين، أعادت الحديث عن المنافسة بين أكبر اقتصادين في العالم، وعن الموعد الذي يفترض ان تتقدم فيه الصين الى المركز الأول عالمياً. والولاياتالمتحدة تتربع على صدارة اقتصادات العالم منذ أطاحتها بريطانيا عام 1872، ويبلغ حجم الاقتصاد الأميركي اليوم 17.3 تريليون دولار، حسب البيان الأخير لمكتب التحليلات الاقتصادية، وهو مؤسسة حكومية، فيما بلغ حجم الاقتصاد الصيني 9.4 تريليون دولار نهاية العام الماضي. وفيما تشير هذه الأرقام الى ان حجم الاقتصاد الصيني هو أكثر بقليل من نصف نظيره الأميركي، الا ان الصورة تتغير عند اجراء المقارنة باستخدام مقياس «تكافؤ القدرة الشرائية»، والذي يشير الى أن اقتصاد الصين يبلغ حالياً 83 في المئة من اقتصاد الولاياتالمتحدة. وفيما تشير البيانات الى ان كلاً من الاقتصادين يتوسع بواقع تريليون دولار سنوياً، يعتقد واضعو مقارنة الاقتصادين حسب «تكافؤ القدرة الشرائية» أن اقتصاد الصين قد يصبح الأكبر في العالم هذا العام او العام المقبل، حتى لو استمرت أميركا في الصدارة اسمياً. القدرة الشرائية على ان القياس بالقدرة الشرائية تشوبه تعقيدات كثيرة، ولا يستخدم عادة لقياس تراتبية الدول حسب حجم اقتصاداتها، فالصين أطاحت باليابان بمقياس القدرة الشرائية مع مطلع هذا القرن، الا انها لم تتقدم عليها اسمياً الا في 2010. وكانت مجلة «ايكونوميست» قدمت عملية حسابية للمقارنة بين الاقتصادين اسمياً، وبنتها على افتراض أن الاقتصاد الأميركي سينمو بمعدل 2.5 في المئة سنوياً من الآن وحتى نهاية العقد، فيما سينمو الاقتصاد الصيني بمعدل 7.75 في المئة في الفترة ذاتها. وتوقعت المجلة ان يبلغ التضخم الأميركي ما معدله 1.5 في المئة، في مقابل أربعة في المئة في الصين، التي سترتفع عملتها الوطنية مقارنة بالدولار بنسبة ثلاثة في المئة سنوياً. مع فرضيات كهذه، تعتبر المجلة ان الصين ستحل مكان أميركا في المركز الاقتصادي الأول عالمياً في 2019. الا ان هذه الفرضيات راحت تبتعد من الواقع منذ عامين، فاليوان توقف عن الارتفاع في مقابل الدولار منذ فترة لحرص الصين على الاستمرار في التصدير، بل تراجع بنسبة ضئيلة، فيما يحقق الدولار ارتفاعاً عالمياً، كما بدا جلياً الأسبوع الماضي، بسبب تحسن البيانات الأميركية المتعلقة بالنمو وانخفاض البطالة وزيادة الاستهلاك. ومع ان النمو الأميركي بلغ ما متوسطه اثنين في المئة على مدى الأعوام 2011 و2012 و2013، حسب «مكتب التحليلات الاقتصادية»، الا ان التوقعات تشير الى احتمال ارتفاعه الى حدود الثلاثة في المئة للسنوات القليلة المقبلة، ما يعني انه مع نهاية العقد، يكون المعدل الأميركي بلغ 2.5 في المئة أو أكثر. أما النمو الصيني، فهو بالكاد يبلغ 7.5 في المئة التي حددتها الحكومة الصينية هدفاً، فيما يعتقد اقتصاديون حول العالم ان بكين تعمد الى التحفيز المتواصل وإن على نطاق ضيق، للحفاظ على هذه النسبة وعدم تركها تهبط الى مستويات أدنى حفاظاً على «الأمن الاجتماعي» الصيني. لكن في التحفيز مشكلة، فالصين سمحت للمصارف بخفض احتياطاتها لتوفير سيولة للمستدينين، لكن هذا من شأنه خلق فقاعة، فيما تعتبر بعض التقديرات ان ديون الحكومات المحلية والمركزية الصينية تبلغ أكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي، وهي نسبة مرتفعة بعض الشيء. كذلك، لاحظ «معهد بيترسون» للأبحاث الاقتصادية ان النمو الصيني لا يترافق مع نمو في المداخيل لأنه يأتي مدفوعاً بإنفاق حكومي على مشاريع البنية التحتية، ما يعني تأخير عملية نقل الاقتصاد الصيني من نمو مبني على الإنتاج والتصدير الى آخر أكثر توازناً مبني على الانفاق والاستهلاك. والمشكلة ان عملية الانتقال تعني بالضرورة تراجع الحكومة الصينية عن دفع النمو، ما من شأنه ان يخفض نسبته الى خمسة في المئة حسب توقعات مجلة «فوربس»، وذلك يؤخر فرضية تقدم الصين الى المركز الاقتصادي الأول عالمياً الى 2024، حسب نموذج «ايكونوميست». وهكذا، ان أصرت بكين على إبقاء النمو مرتفعاً، تخاطر بهبوط مفاجئ لاقتصادها، اما إذا سمحت بانتقاله الى واحد مبني على الاستهلاك وشبيه بالاقتصادات الغربية، فهي لن تصبح أولى عالمياً حتى بعد عشر سنوات من اليوم، وفي ذلك مشكلة أيضاً، إذ إن الصين في سباق ديموغرافي مع الوقت الذي يشير الى استفحال مشكلة الشيخوخة في السنوات العشرين المقبلة، ما حدا بكثير من الاقتصاديين الى تقديم السؤال الاقتصادي الكلاسيكي: «هل تشيخ الصين قبل ان تصبح غنية؟». السباق على المراكز قد يبدو السباق على مركز أكبر اقتصاد في العالم شأناً تفصيلياً، لكنه في الوقت ذاته أمر ذو أهمية في واشنطن كما في بكين، فالصين احتفلت طويلاً لاقتناصها المركز الثاني من اليابان، فيما تباهت الولاياتالمتحدة بتربعها على عرش العالم الاقتصادي للدلالة على سر قوتها العالمية. وأعادت بيانات الربع الثاني للعام الحالي السباق الى الواجهة، خصوصاً ان أميركا متفائلة ببياناتها. وإضافة الى نسبة 4 في المئة من النمو، اشارت تقارير وزارة العمل الى خلق الاقتصاد أكثر من 200 ألف وظيفة للشهر السادس على التوالي وللمرة الأولى منذ 1997، في وقت تسعى واشنطن الى تكرار أيام البحبوحة التي عاشتها اثناء الولاية الثانية لرئيسها السابق بيل كلينتون (1997 - 2001) التي نما الاقتصاد خلالها بأكثر من 4 في المئة سنوياً.