مع اقتراب موعد قمة المناخ في البرازيل «ريو+ 20» المقررة في 20 حزيران (يونيو) 2012، وهي تأتي بعد عشرين سنة من «قمة الأرض» التي استضافتها ريو دي جانيرو وكانت لحظة بداية لجهود البيئة دولياً، يتجدّد الاهتمام بالعلاقة المعقّدة بين الطاقة واضطراب المناخ، خصوصاً ظاهرة الاحتباس الحراري. وعلى رغم أن الدول العربية عموماً تكتنز فيوضاً من الطاقة، خصوصاً النفط والغاز والشمس، فإن كثيراً من دولها تعاني مشكلة أصيلة: عدم وجود طاقة كهرباء كافية لتأمين حاجات السكان والعمران والتنمية. تشابك ذكي وتذكّر أزمة الكهرباء المتفاقمة في قطاع غزة والأردن والعراق بالفوائد الاقتصادية والإستراتيجية والبيئية والفنية المتولدة من إنشاء سوق عربية مشتركة للطاقة. ومن المُستطاع النظر إلى مصادر الطاقة من زوايا متنوّعة. وتعتبر طاقة الرياح والشمس والأمواج والمد والجزر، من أنواع الطاقة المُتجدّدة التي لا يمكن تخزينها. ويبدو مستطاعاً تخزين طاقة المياه المتدفقة عبر الأنهار بطريقة غير مباشرة، عبر السدود المتنوّعة. ومن المصادر غير المُتجدّدة (لكنها تقبل التخزين المديد) البترول والفحم والغاز الطبيعي واليورانيوم. ويضرّ بعض هذه المصادر بالبيئة عبر انبعاثات غاز الكربون أو بأثر من النفايات النووية، مع ملاحظة عدم وجود مفاعلات نووية منتجة عربياً حتى الآن. ولحسن الحظ أن كثيراً من مصادر الطاقة تمثل بدائل لبعضها البعض، على رغم اختلاف خصائصها. وربما كان مجدياً للبيئة والاقتصاد، استيراد الكهرباء من دول تنتجها من مصادر نظيفة أو مُتجدّدة، بدلاً من إنتاجها محلياً من مصادر مُلوّثة للبيئة أو تلك التي تدنو من النضوب. وضمن هذا التصوّر، أعادت إيطاليا والدنمارك وألمانيا النظر في برامجها النووية السلمية بعد كارثة اليابان النووية، على رغم استمرار الميل عموماً لاستخدام الطاقة النووية سلمياً، مع التشدّد في مناحي الآمان. ومن دوافع تصدير الكهرباء أنه لا توجد طريقة اقتصادية لتخزين الفائض عن حاجة السوق، فيضيع في حال عدم تصديره. لذا، تصدّر مصر فائضاً يقدّر بقرابة 600 ميغاواط/ساعة، إلى الأردن وسورية ولبنان وقطاع غزة. واستخدم هذا الفائض في دعم لبنان عقب العدوان الإسرائيلي عليه عام 2006. كما يستورد العراق قرابة 550 ميغاواط/ ساعة من إيران وتركيا، بانتظار استعادة مصادره المعتمدة على النفط، بصورة أساسية. الاستفادة من التفاوت ويؤدي تبادل الكهرباء إلى الاستفادة من التفاوتات بين الدول بالنسبة إلى تكاليف الإنتاج والمزايا التقنية للطاقة. فمثلاً، تبلغ التكلفة الثابتة للمفاعلات النووية خمسة أضعاف محطات البترول وضعفي محركات الرياح. وفي المقابل، تبلغ كلفة تشغيل محطات البترول قرابة 34 ضعف نظيرتها في المفاعلات النووية. فيما تقترب تكلفة تشغيل محركات الرياح والمد والجزر والأنهار من الصفر، لكن تكلفتها الثابتة وصيانتها أمور مكلفة. ثمة قاعدة عامة تقول إنه كلما انخفضت التكلفة المتوسطة لإنتاج الطاقة، زادت تكلفة التشغيل. وبمعنى آخر، تتصف أرخص أنواع المحطات بأعلى مستوى لتكاليف التشغيل، والعكس صحيح. واستطراداً، يفضل استخدام محطات البترول في الأسواق الصغيرة والمفاعلات النووية في الأسواق الكبيرة. وهناك ميزة نسبية للبنان ومصر في إنتاج الكهرباء من الرياح، إذ وصل إنتاج الأخيرة إلى 550 ميغاواط/ساعة. ومن خصائص الكهرباء أنها تفقد نسبة كبيرة منها مع طول مسافة النقل. لذا، لربما كان من الأجدى لمصر، مثلاً، أن تتبادل الكهرباء مع السودان وليبيا وتونس وفلسطين والسعودية والأردن، بدلاً من تركيا وسورية والعراق ولبنان والدول الأوروبية. كما توجد عوائق اقتصادية وفنية أمام التحوّل من مصدر إلى آخر مثل كبر العمر الافتراضي لمحطات التوليد، وضرورة استرجاع التكاليف الثابتة. ولا بد من التنبّه دوماً إلى آثار الطاقة على البيئة. ويساهم تبادل الكهرباء في ترشيد استهلاك المصادر غير المتجدّدة، عبر الحصول عليها من مصادر الطاقة المُتجدّدة في دول مجاورة. ويؤدي هذا إلى الاستفادة من ارتفاع أسعار الموارد غير المُتجدّدة مستقبلاً (مثل البترول والغاز)، والحفاظ على حقوق الأجيال المقبلة. ونظراً إلى عدم قابليتها للتخزين، يتطلب تأمين إمدادات الكهرباء توفير مولّدات إضافية يمكن تشغيلها عند الضرورة، أو الترابط مع شبكة دولة مجاورة لديها فائض في الكهرباء. وتندرج المشروعات الكبرى في الطاقة تحت ما يعرف اصطلاحاً ب «الاحتكار الطبيعي» Natural Monopoly، بالنظر إلى حجمها الكبير. وفي هذا النوع من المشروعات، كلما زاد حجم المشروع وعدد المستهلكين، تنخفض التكاليف المتوسطة للمشروع. واستطراداً، تؤدي سيطرة مشروع وحيد على السوق، إلى توظيف أفضل للموارد الاقتصادية على رغم سيّئة الوضع الاحتكاري. وتشمل صفة «الاحتكار الطبيعي»، مشاريع الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات وشبكات الاتصالات وغيرها. لذا، فمن المجدي اقتصادياً أن تتشارك دول عدّة في مشروع مُفرَد كبير. كما أن ربط شبكات الكهرباء العربية يزيد إمكانات الشبكات المحلية ويؤمن استدامة الامدادات، لا سيما عند أوقات الذروة والأعطال المفاجئة. فمثلاً، تبادر مصر عادة إلى إمداد الأردن بقرابة 400 ميغاواط/ساعة، كلما تفجّر خط الغاز بين البلدين. وبصورة مستمرة، تتباحث مصر وغزة في شأن إمدادات الطاقة إلى القطاع. «وقت الذروة» هناك فائدة اقتصادية من الاختلاف في «وقت الذروة»، عندما يكون السحب من شبكة الكهرباء عند أعلى مستوياته، بين الدول التي تتشارك شبكات الطاقة. ومثلاً، تساهم شبكة كهرباء الخليج في تخفيض الاحتياطي الدوّار في دول مجلس التعاون الخليجي، من 29 في المئة إلى 18 في المئة. ومن المتوقع أن يؤدي ربط شبكتي مصر والسعودية، إلى توفير قرابة 3000 ميغاواط/ساعة نظراً لاختلاف وقت الذروة بينهما. وسوف يتضاعف هذا التوفير بعد إنشاء السعودية 16 مفاعلاً نووياً مستقبلاً. وهناك تفكير في ربط شبكتي مصر والسودان. وتُبذل جهود لربط شبكة الخليج بشبكة تضم ثمانية دول عربية هي مصر وليبيا والأردن وسورية ولبنان وتركيا والعراق وقطاع غزة. ووافقت الدول العربية على ضمّ قطاع غزة، بتمويل من بنك التنمية في جدة، بشرط الانفصال عن شبكة الكيان الصهيوني. إذ يستهلك قطاع غزة 192 ميغاواط/ساعة، يستورد 120 ميغاوات من الكيان الصهيوني، و17 ميغاوات من مصر، وتعطي محطة توليد الكهرباء بغزة الباقي. إضافة إلى ذلك، يؤدي دمج أسواق الكهرباء العربية إلى تبادل الخبرات وتنمية الصناعات المُكمّلة، مثل صناعة المولّدات والمحوّلات والمحركات والأبراج وقطع الغيار والأسلاك وغيرها. ويتوقع أن تزداد أهمية شبكة الكهرباء العربية الموحدة عندما يتم ربطها بالشبكة الأوروبية، عبر الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في بناء مشروع «ديزيرتك» في شمال أفريقيا لتوليد الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية. ويتميّز العالم العربي بوقوعه ضمن ما يعرف باسم «نطاق الحزام الشمسي» للأرض، إضافة إلى اتساع المساحات الصحراوية فيه. كما أن معدل سطوع الشمس في سماء الدول العربية يقارب 3300 ساعة في السنة، بينما هو أقل من 1000 ساعة في بريطانيا مثلاً. كذلك تختلف أوقات الذروة ومواسم زيادة الطلب على الطاقة بين الدول الأوروبية والدول العربية. إذ يرتفع استهلاك الدول العربية في موسم الصيف بسبب شدة الحرارة، بينما يزداد استهلاك الأوروبيين في الشتاء بسبب برودة الجو. وفي الإطار عينه، فإن توسعة شبكة الكهرباء العربية وربطها بالشبكة الأوروبية ومشروعات أعالي النيل، يزيد من عزلة إسرائيل في مجال الطاقة. ومن المستطاع توجيه هذه الشراكة لجهة حفظ حصة مصر وشمال السودان في مياه النيل، ما يخفّف من التوتر الحاصل بين الدول المتشاطئة في هذا النهر العظيم. * خبير مصري في اقتصاد الشبكات