أكد مختصون في الأوقاف الخيرية في المملكة، خلال ملتقى للأوقاف نظم أخيراً في الرياض، أن المجال فيه الكثير من المتشابكات التي تؤدي إلى ضياع عشرات الآلاف من الأوقاف، التي تقدر ببلايين الريالات السعودية، فيما رفعوا عقيرة الشكوى على «النظار الخاملين» أو الخائنين الذين لا يراعون أمانة وقفهم. وأكد الدكتور عبدالله بن منصور الغفيلي في ورقته التي قدمها بعنوان «زكاة عين الوقف»، أن «الوقف» من خصائص الإسلام ومميزات نظامه العام، وهو من أعظم النظم الاجتماعية التي أثرت في عمران البلاد الإسلامية، وأخلاق أهلها، كما أنه من أعظم سبل الخير وأقدسها، وطرق البرّ وأنفعها، وكان له دور كبير في قيام المؤسسات الخيرية في بلاد المسلمين. وأوضح الغفيلي أن مقاصد الوقف تتمثل في تحقيق مبدأ التكافل بين الأمة المسلمة وإيجاد التوازن في المجتمع، وضمان لبقاء المال ودوام الانتفاع به والاستفادة منه مدة طويلة، فإن الموقوف محبوس أبداً على ما قصد له، لا يجوز لأحد أن يتصرف به تصرفاً يفقده صفة الديمومة والبقاء، وفي الوقف استمرار للنفع العائد من المال المحبس، وهو من أعظم المقاصد. كما أوضح الغفيلي أن في الوقف تحقيقاً لأهداف اجتماعية وأغراض خيرية واسعة، كدور العلم والوقف على طلبة العلوم الشرعية والعلوم المباحة التي تعود بالنفع على المسلمين التي هي من متطلبات المجتمع المسلم، وما يتبع ذلك من أبحاث ودراسات تكون من وسائل تنمية المجتمع المسلم، وإغنائه عما بيد عدوه. وأوصت ورقة عمل قدمها الشيخ سعد بن محمد المهنا حول «الصيغ الجديدة للأوقاف»، بأهمية العناية بإسناد كتابة الصيغ الوقفية إلى خبراء متخصصين، وتطوير الصيغ الوقفية وجعلها قادرة على التأقلم مع متغيرات الأنظمة والتشريعات والموارد والزمان والمكان. وطالب بتخصيص دوائر في المحاكم تعنى بالأوقاف، وندب قضاتها من مجلس القضاء الأعلى إلى هيئة الأوقاف لإجراء الإنهاءات كافة المتعلقة بالأوقاف، أسوة بندب بعض كتُّاب العدل إلى الغرف التجارية ووزارة التجارة ونحوها، وتطوير آليات أقسام أعوان القضاة في المحاكم، والأفراد ذوي العلاقة بالوقف. وضمن توصيات الورقة إنشاء مجلس للأوقاف الأهلية يعنى بتطويرها وتبادل الخبرات والتجارب بينها، ودرس المعوقات والعمل على «مأسسة» النظارة، والتأكيد على ولاية القضاء على الأوقاف، مع الحاجة إلى وجود تشريعات نظامية في كل جهة لها علاقة بالوقف كوزارة التجارة وهيئة سوق المال. وأكدت ورقة العمل أهمية إنشاء أكاديمية لتدريب وتطوير النظَّار والمشرفين على الأوقاف، باعتبارها ثروة كبرى ومؤسسة رائدة يجب مشاركة الجميع في تحديث أنظمتها وتطويرها وعدم انفراد مؤسسة أو وزارة بذلك دون بقية المجتمع. فيما قدم المحامي عماد بن صالح الخراشي ورقة عمل عن «هيكلة الشركات والمؤسسات الوقفية»، أكد فيها أن الأوقاف لعبت دوراً بارزاً في تنمية المجتمعات الإسلامية على مختلف جوانب الحياة، إلا أن المشاهد لحركة الأوقاف يجد أن هذا الدور بدأ يتضاءل على مر السنين، حتى أصبح محدوداً في إطار «تقليدي»، يقوم على أساس حصر استثمار الأوقاف في العقارات دون غيرها من الأصول الأخرى، وهذا أدى إلى نتيجة سلبية وهي تعطيل الثروات المراد وقفها، وبالتالي حرمان المجتمع من التنمية المستفادة من الأوقاف. وأضاف الخراشي أن الأسباب التي دعت إلى وجود هذا التضاؤل لدور الأوقاف يأتي بسبب ضعف البيئة النظامية الداعمة للأوقاف، وعدم قدرتها على التعامل مع التطور الاستثماري الذي تشهده الحياة الاقتصادية في المجتمع، ومحدودية المراكز الراعية لتطوير العمل الوقفي، وغياب مفهوم التطوير لدى الواقفين، وضعف الدور التوعوي المقدم من ذوي الاختصاص. وأكد الخراشي أن كل هذه الأسباب أدت إلى ترسيخ النمط التقليدي المتبع لدى عدد من رجال الأعمال في إدارة أوقافهم، مبيناً أن الحاجة أصبحت ملحة إلى وجود هيكلة أو وسيلة قانونية بديلة تعين الوقف على تحقيق أهدافه وفق أحدث أساليب الإدارة المتاحة، وبشكل لا يخل ببقاء أصل الوقف وفق القواعد الشرعية التي قام عليها فقه الوقف، مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى. وأوصى بضرورة إيجاد بنية نظامية داعمة لتفعيل وتطوير العمل الوقفي، من خلال إضافة نوع جديد في نظام الشركات الجديد وهي الشركات الوقفية، أو الشركات غير الربحية، أسوة بعدد من الدول الأخرى، وبلاد الحرمين الشريفين أولى من غيرها بتنظيم هذا النوع من الشركات ودعمه، إذ إن ذلك يتيح للواقف تأسيس شركات وقفية أو غير ربحية تعمل في أنشطة تجارية أو صناعية مختلفة. وكذلك تضمين نظام الهيئة العامة للأوقاف محفزات تشجيعية، تسهم في تفعيل دور الأوقاف وتذليل العقبات التي تواجهها، ومن ذلك إعفاؤها من الزكاة، وتسهيل الخدمات المتعلقة بالجهات الحكومية الأخرى. ونادى بتفعيل دور الغرف التجارية بإنشاء مراكز متخصصة في الأوقاف وخدمة المجتمع، تسهم في إعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بالأوقاف وتطويرها، ونشر الوعي الثقافي في المجتمع، وتوجيه الواقفين إلى المجالات الخدمية التي يحتاجها المجتمع من الأوقاف. وقدم وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الأوقاف خالد بن عبدالله العبداللطيف ورقة عمل بعنوان «قراءة في أنظمة الأوقاف»، أكد فيها أن جهود الوزارة في ما يتعلق بالوقف توّجت بصدور قرار مجلس الشورى الذي ينصّ على: «إنشاء هيئة عامة للأوقاف ذات شخصية اعتبارية، تسمى الهيئة العامة للأوقاف»، تتمتع بالاستقلال المالي والإداري.