لسنوات قريبة، لم تكن السعوديات يجرأن على الحديث في العلن عن «تحديد النسل»، ففي مجتمع يتسم ب «المحافظة الشديدة» يعتبر الحديث عن «تنظيم الأسرة» أبعد ما يكون عن الواقع. إلاّ أنّ مشاركات في مؤتمر نسوي، بعنوان «التميز المهني للمرأة»، عُقد في مدينة الخبر (شرق السعودية)، الأسبوع الماضي، لم يجدن حرجاً في توجيه دعوة صريحة للمرأة السعودية العاملة إلى تحديد النسل، من «أجل مساعدتها على نيل حقوقها الوظيفية»، قائلات بنظرية أن «كثرة الأولاد والإنجاب المتكرر سبب لاستبعاد المرأة السعودية من التوظيف». وتجاوزت شرائح واسعة من المجتمع السعودي، في السنوات الخمس الأخيرة، الكثير مما كان يُعدّ «محرماً اجتماعياً» في ما يرتبط بتوظيف المرأة، بفعل الضغط الكبير الذي ولّدته البطالة النسائية التي قدّرتها وزارة العمل السعودية بحوالى 27 في المئة، والتي جعلت من «عمل المرأة» موضوعاً أول في المنتديات الرسمية والأهلية. ودعت غالبية المتحدثات في المؤتمر المرأة إلى الموازنة بين أسرتها وعملها. وطالبت أخريات «المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية» (الجهة التي تصرف رواتب التقاعد للعاملين في القطاع الخاص) بتحمل جزء من راتب المرأة العاملة، كي تستطيع التمتع بإجازة طويلة، تصل لمدة عام، تتفرغ خلالها لتقديم الرعاية الكاملة لأطفالها. ودعت عضو مجلس «شابات الأعمال» المنبثق من الغرفة التجارية في المنطقة الشرقية، آيلا الشدوي، خلال مشاركتها في المؤتمر، إلى أن «تتحمل «التأمينات الاجتماعية» راتب المرأة العاملة خلال تمتعها بإجازة الأمومة في أول ثلاث ولادات، وتقديم تسهيلات لها»، مبيّنة أن «ظروف عدة تحيط بالمرأة العاملة المتزوجة، ولا بد من أن يحمل المجتمع جزءاً منها، ولا بد من أن يكون ل «التأمينات الاجتماعية» دور مهم في التعامل مع المرأة العاملة»، مشددة على «توفير حضانات لأبناء العاملات». وسارعت الإعلامية منى أبو سليمان، المتحدثة الرئيسة في المؤتمر، إلى وضع حلول «قبل أن تتحول قضية المرأة العاملة إلى أزمة». وقالت: «في بعض الدول يحدد للمرأة العاملة إنجاب طفلين. وفي السعودية، يمكن أن يسمح لها بإنجاب أربعة أطفال، أي ضعف المعدل المتعارف عليه، وبالتالي يتحمل المجتمع جزءاً من فترة إنجابها، خصوصاً أن فترة الإنجاب لا تتجاوز 15 سنة، وخلال هذه السنوات قد تواجه ظروفاً صعبة، بسبب الحمل والولادة والأمومة، فلا بد من إيجاد تسهيلات لها، ومنحها الراحة بما يضمن راحة أبنائها». واستدركت: «لكن هذا لا يعني إهمالها عملها، فنحن في عصر الاتصالات، ويمكن للمرأة أن تعمل من منزلها، وتنجز مهماتها، وتتابع شؤون عملها. كما يمكن لها أيضاً أن تتابع أبناءها في المدرسة، بإحضار ما يثبت للمؤسسة التي تعمل فيها أنها تتابع شؤونهم، ويمكن تعويض ساعات العمل. وكل ذلك ملامح لتطوير مستقبل المرأة مهنياً». وأكدت ضرورة «إصلاح أو تعديل بعض الأنظمة التي تتعلق بعمل المرأة لاستيعاب احتياجاتها، كي نساعدها على إثبات نفسها، لأن نظام العمل لا يخدمها، ولا يناسبها. ويحتاج إلى بعض التعديلات». وتضيف: «لا يمكن اعتبار المرأة رجلاً، علماً أن من الواجب أن تعطي كما تأخذ، بعيداً من الاتكالية في العمل»، معتبرة فترة الأمومة «من أصعب الفترات على المرأة». وأكدت هنادي عنقاوي، إحدى المشاركات في المؤتمر أن «الحظ الأوفر في فرص العمل تكون لغير المتزوجة، وكأن المرأة المتزوجة التي تطلب عملاً، تعاني من مانع صحي أو ما شابه ذلك»، متسائلة: «هل أصبح الزواج يعتبر إعاقة؟». واعتبرت مشاركة أخرى تحديد النسل «الفيصل في توظيف المتزوجات، إذ تتراوح ولاداتهن بين ثلاث وأربع ولادات فقط»، مضيفة أن «المؤتمر ناقش قضايا لا تتعلق فقط بتحديد النسل للمرأة العاملة، وإنما إيجاد تسهيلات بصورة عامة لعمل المرأة، ومنحها تسهيلات تمكنها من الاستمرار في عملها». أما سيدة الأعمال نادية الدوسري، فأكدت أهمية «الابتعاد عن المشاكل للمرأة العاملة لتحقيق الهدف، فالمرأة أكثر قدرة من الرجل على الإدارة، بحكم طبيعتها». وحول عدم التزام السعوديات بالعمل والتسرب الوظيفي، عزت السبب إلى «عدم الثقة بالنفس منذ النشأة، فأسلوب التربية لا يمنح الثقة بالذات للمرأة التي تنشأ على أنها «لا شيء»، وأن العمل الجاد يؤرقها، فالعمل بالنسبة إليها راتب فقط». وتوضح: «علاج هذا الأمر يتم من خلال التربية الأسرية، وزرع الثقة في نفوس الأجيال». ودعت المشاركات في اليوم الختامي للمؤتمر، إلى أهمية «ترسيخ ثقافة العمل الحر، لما يتميز به من مرونة عالية تتناسب مع طبيعة المرأة، مقارنة بالعمل الوظيفي الذي يتسم بعدم وجود استقرار وإبداع في العمل».