يجب قراءة ظاهرة الأزواد من منطلق حيادي وموضوعي، بعيداً من شهوة الانتماء السياسي، والترف الفكري، كي نصل إلى نتيجة صحيحة، لأن كل بداية صحيحة ستؤدي غالباً إلى نتيجة صحيحة. إن موضوع الأزواد له تشابكاته وتفاعلاته، كما أن له أسبابه ونتائجه وأهدافه، خصوصاً عندما نأخذ في الأعتبار أن الحركة الوطنية الازوادية هي ذات توجهات علمانية معظم منتسبيها من الطوارق وأنها تعتمد عقيدة سياسية وطنية، وتعلن عن هدفها وهو استقلال إقليم أزواد، وتعتبر جيش مالي جيشاً محتلاً وفق أدبياتها خصوصاً اننا أمام حدث جديد له تداعياته وانعكاساته ليس فقط على مناطق جوار مالي، بل ربما على دول الساحل الإفريقي وكثير من دول العالم. كما تسعى الحركة الوطنية الازوادية إلى رفع الظلم التاريخي الواقع على شعب مالي، خصوصاً ان حكومة مالي مدعومة من واشنطن، فماذا ننتظر من حكومة تدعمها واشنطن مالياً وسياسياً وعسكرياً واستخباراتياً، فهل تدفع أميركا ملايين الدولارات لحلفائها من دون أن تتحقق أهدافها من وراء ذلك؟ وهل ترسل أميركا المدربين الجزائريين إلى شمال مالي لتدريب وتجهيز الجيش المالي من اجل عيون الشعب المالي؟ ثم ماذا يمكننا أن نفهم من خلال عمليات التدريب السنوية التي تديرها الولاياتالمتحدة في صحاري مالي، لمكافحة ما تسميه بالإرهاب في الصحراء الإفريقية؟ فقد كانت كل من موريتانيا وفرنسا تدخل إلى التراب المالي، وتقوم بعمليات عسكرية بحجة محاربة «القاعدة، صحيح أن مالي تعرضت لانقلاب عسكري، ولكن الحسابات الأيديولوجية والسياسية فرضت واقعاً جديداً لا بد منه بعد انقلاب مالي، بحيث لا يمكن نسيان وتخطي مراحل القمع والتهميش التي استمرت لحوالى خمسين عاماً ضد شعب مالي من مختلف أقلياته وأعراقه. إنني أختلف مع كثير من المحللين القائلين بأن قيام كيان جديد في منطقة الساحل يلتقي مع توجهات وسياسات غربية ... كما لا اتفق مع من يقول إن الإعلان عن ميلاد دولة هناك يُعتبر امتداداً للمشروع الاستعماري الغربي القائم على تفتيت الوطن العربي ومنطقة الساحل، والذي بدأ بالعراق وامتد إلى السودان، فهذا في رأيي خلط بين حقيقة الواقع والشهوة السياسية، فالسودان يتعرض لمؤامرة واضحة أدواتها ليسوا من الإسلاميين لكي يحلو للكثير تعليق فشلهم على بُعبُع الإسلاميين ... كما إنني لا أوافقهم عندما يعتبرون أن قيام تلك الدولة سيؤدي إلى تفكيك دولة مالي إلى 23 كياناً جديداً - يعادل عدد العرقيات الموجودة في مالي – ويقولون أن النيجر هي الحلقة المقبلة في مسلسل إعادة تشكيل المنطقة، بعد تفتيتها وفق المخطط الغربي، وان قوى غربية تدعم بشكل مباشر الجماعات الإرهابية التي ستحول الحدود إلى معابر لتجارة الأسلحة والمخدرات واللصوص وقطاع الطرق، وغيرها من عمليات الإجرام، وتعرض المسافرين لعمليات سطو واعتداء، وان ذلك هو المشروع الحقيقي الذي تسعى إليه الولاياتالمتحدة والصين من خلال صراعاتها القائمة، لتفكيك المنطقة إلى دويلات، والاستحواذ على ثرواتها الممتدة على طول 5 ملايين كلم مربع. نعم تحرص الدول المعادية على تفكيك المنطقة واستغلال مواردها، لكن يجب أن ندرك بأنه ليس كل تحرك ثوري بالضرورة يصب في مصلحة الصين أو الولاياتالمتحدة أو هذه الدولة وتلك. وليس دقيقاً ما نسمعه من تصريحات حول قادة الضباط الذين قاتلوا لمصلحة القذافي على أنهم يبحثون عن مصالح جديدة، وامتيازات خسروها في ليبيا، ويرغبون في خلق واقع جديد لهم في مالي، حتى وان كان قائد حركة الأزواد عسكرياً في ليبيا.