الدار البيضاء (المغرب) - أ ف ب - على طول شارع محمد الخامس، أحد أقدم شوارع الدارالبيضاء، لا تمنع أشغال ال «ترامواي» الذي يفترض أن يخفف زحمة السير في أكبر مدينة في المغرب العربي، عشاق الأعمال الفنية من التمتع بالتنوع المعماري لعشرات الابنية التي تعود بغالبيتها إلى مطلع القرن العشرين والمهدّدة بسبب الإهمال والمضاربات العقارية. يؤكد نائب رئيس جمعية «ذاكرة الدارالبيضاء» المدافعة عن التراث كريم الرويسي أن عاصمة المغرب الاقتصادية «شكلت طوال النصف الأول من القرن العشرين مختبراً معمارياً ومدينياً. وهنا تكمن فرادتها». ويضيف: «يمكن أن نجد عمارات بنيت على طراز «آر نوفو» (الفن الجديد)، مثل عمارة «ماروك سوار» التي صمّمها ماريوس بواييه المنتمي إلى المدرسة الموريسكية الحديثة». وبنى المهندسون المعماريون الدوليون، والفرنسيون منهم خصوصاً، هذه البنايات لمصلحة المستعمرين خلال عشرينات القرن الماضي وثلاثيناته، وللبرجوازية المحلية في ما بعد. واستوحوا هندستهم من طرازي «آر ديكو» و «آر نوفو» اللذين كانا رائجين في أوروبا آنذاك، وأضافوا إليهما زخرفات مغربية تقليدية، مع استعمال الجصّ أو النحت على خشب الأرز. تحول مبنى «إكسلسيور» القديم وسط الدارالبيضاء، إلى أحد أهم المقاهي التي يقصدها الاغنياء البوهيميون. وباتت هذه المدينة خليطاً متنوعاً من السكان يصل عددهم الى 5 ملايين نسمة، فيما يصعب على الجيل القديم التعرف الى ملامح المدينة السابقة. ويقول عبو برادة، الصحافي السابق المولع بمدينته: «داخل هذه المدينة العتيقة توجد أول كنسية بنيت في الدارالبيضاء، خصصت لممارسة الشعائر الكاثوليكية حتى الستينات، وصارت مهجورة في ما بعد، واليوم تُرمّم لتصبح مركزاً ثقافياً». ويوضح أن «خصوصية المدينة العتيقة، تأتي من تعايش المسلمين والمسيحيين فيها، إضافة إلى اليهود طبعاً. وبين المسيحيين كان هناك إسبان وإيطاليون وبرتغاليون وفرنسيون، إضافة إلى صيادين وحرفيين وبنائين». وشقق البنايات العتيقة غالباً ما يقيم فيها أشخاص يدفعون «إيجارات زهيدة جداً» تراوح بين 500 و2000 درهم مغربي (45 إلى 180 يورو)، كما يقول الرويسي. ولا يقوم المستأجرون والمالكون بأعمال الصيانة لهذه الابنية التي تتدهور يوماً بعد آخر. ويتطلب الأمر لإخلاء شقة من هذا النوع، دفع مبلغ قد يصل إلى 50 ألف يورو. فيما يستغلّ المقاولون والمضاربون العقاريون غياب سياسة لصيانة التراث، إما لهدم بنايات قديمة من أجل بناء أخرى جديدة أكثر ارتفاعاً وربحية، أو بإضافة طوابق جديدة الى الطوابق القديمة على حساب الوحدة والجمال الهندسي. ويشير الرويسي الى أن «إعادة البناء تتم على حساب تراث المدينة»، فيما ترغب جمعيته في إدراج الدارالبيضاء على قائمة التراث العالمي لمنظمة ال «يونيسكو» في القريب العاجل، لوضع حد للتجاوزات، وهي مهمة وزارة الثقافة. إلا أن «تسجيل تراث حديث مثل فن العمارة في الدارالبيضاء الذي يعود إلى العشرينات، ضمن لائحة التراث العالمي، أمر معقد مقارنة بالمدن العتيقة»، كما يؤكد المهندس المعماري جاد ثابت، العضو السابق في لجنة قائمة التراث العالمي في «يونيسكو». ويضيف المهندس الفرنسي: «يضاف الى ذلك ان الدارالبيضاء هي عاصمة البلاد الاقتصادية، والسلطات المغربية ربما لا تريد اعتماد تدابير تكبح النشاط العقاري» فيها. ومن الأمثلة على التهديد الذي يلحق بالتراث المعماري للمدينة، فندق لينكولن الذي صمّمه عام 1916 المهندس الفرنسي هوبير بريد، والذي يقع على بعد أمتار من السوق المركزية للمدينة. وقد أُقفِل الفندق عام 1989، ليتحول بعد 20 سنة إلى خراب، مخلفاً صدمة في نفوس السكان. ويوضح الرويسي أن «الجمعية حدّدت 4000 بناية قديمة تحتاج الى حماية». والمشكلة في المغرب كما يوضح، «ليست مرتبطة فقط بحماية كل بناية بحد ذاتها، بل بالحفاظ على منظر حضري. لأن المغرب لا يملك برج إيفل، بل يملك مناظر حضرية يجب الحفاظ على انسجامها المعماري». ويؤكد: «يجب أن نتحرك بسرعة. نحن لا نتوانى عن التحذير من أخطار المضاربة، وهناك بنايات في حالة متداعية جداً»، معترفاً في الوقت نفسه بأن السلطات أصبحت أكثر إدراكاً للوضع من ذي قبل. ويشدّد على «أهمية الإجراءات العملية التي لا نرى منها اليوم إلا القليل، ونريد منها المزيد».