أكد مكتب المحاماة الفرنسي «جيل ديفيرس وشركاؤه» تقديم شكوى إلى المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فاتو بنسودا، ضد اسرائيل على خلفية ارتكاب حكومتها وجيشها انتهاكات خطيرة ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية. وتثير المبادرة «حرجاً» في صفوف السلطة الفلسطينية لأن طلب تقديم الشكوى لم يأت من رام الله وانما من وزير العدل في غزة سليم السقا، وهو عضو في حكومة الوفاق، وينسب اليه القرب من حركة «حماس». وتمثل قضية المصادقة على معاهدة روما التي أنشئت بمقتضاها المحكمة الجنائية الدولية، ورقة بالغة الأهمية بين أيدي السلطة «ستستخدمها في الوقت الذي تراه مناسباً»، بحسب تقدير مندوب فلسطين لدى الأممالمتحدة في جنيف ابراهيم خريشة. وكشف الأستاذ جيل ديفيرس في مكالمة هاتفية مع «الحياة» تقديمه الشكوى عن طريق البريد الإلكتروني الخميس الموافق 24 تموز (يوليو) عام 2014 بتكليف من وزير العدل الفلسطيني سليم السقا والنائب العام لمحكمة غزة اسماعيل جبر. ويشير الكتاب المرفق بالشكوى التي قدمها المحامي الفرنسي إلى المدعية العامة في لاهاي إلى «جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في حزيران وتموز عام 2014 في فلسطين في سياق عملية عسكرية تسمى «الجرف الصامد». وفي شأن مقبولية الشكوى، يذكر الكتاب بأن «الشكوى تعتمد على مبدأ إعلان الاختصاص لوزير العدل بفلسطين في 21 كانون الثاني عام 2009 (البند 12.3 من النظام الأساسي). ويبقى هذا الإعلان ساري المفعول لأن فلسطين دولة بصفة مراقب غير عضو في الأممالمتحدة. وصفتها كدولة ليست موضع شك». كما كشف المحامي جيل ديفيرس عن مذكرة بعثها نائب وزير العدل الفلسطيني عمر أحمد البروش إلى قلم المحكمة الجنائية الدولية هيرمان فون هيبيل الأربعاء الموافق 30 تموز (يوليو) يقول فيها بأنه، اي البروش، «مكلف من الوزير ممارسة السلطات نيابة عنه لأن الاخير مستهدف، اذ تتعرض مقرات الإدارة الفلسطينية للقصف من قوة الاحتلال». ويشير البروش إلى الشكوى التي قُدمت في 24 تموز، مضيفاً في المذكرة إلى قلم المحكمة بأن «دولة فلسطين ستتعاون مع المحكمة من دون تردد وفق البند التاسع من القانون الأساسي». لكن تقديم الشكوى أثار لبساً في الساحة الفلسطينية لأن دولة فلسطين لم تصادق بعد على معاهدة روما، خصوصا لأن الشكوى لم تقدم باسم السلطة الفلسطينية في رام الله. وأوضح مندوب فلسطين لدى مجلس حقوق الانسان في جنيف في مكالمة هاتفية مع «الحياة» أن «السلطة تدرس إمكانات المصادقة على معاهدة روما». وكشف ايضاً أن الجهود جارية ايضاً من أجل تشكيل لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي وافق مجلس حقوق الانسان على تشكيلها في 23 تموز الماضي. وقال خريشة ان «لجنة التحقيق الدولية المستقلة تختلف في صلاحياتها عن لجنة تقصي الحقائق، وستتعاون مع السلطات المصرية من أجل السماح بالدخول إلى القطاع عبر معبر رفح بهدف تسجيل شهادات الضحايا وتوثيق الاعتداءات الممنهجة على المدنيين». وستبدأ اللجنة مهمتها من دون تأخير. وإذا حالت قوات الاحتلال دون دخولها الضفة الغربية، فإنها ستدعو الضحايا إلى لقاء أعضائها في الأردن أو أي مكان آخر. وسترفع تقاريرها إلى مجلس حقوق الانسان من أجل المصادقة على توصيات محددة قد يكون من بينها افتراض طلب نقل ملف الاعتداءات الاسرائيلية إلى محكمة لاهاي. وكان الرئيس محمود عباس طالب في كتابه إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في 30 تموز الماضي، بالعمل على «مواجهة الأزمة الخطيرة التي يعانيها الشعب الفلسطيني من خلال توفير الحماية الدولية الحقيقية». وأكد أن «الاعتداءات الممنهجة التي تقودها اسرائيل ضد بيوت المدنيين والملاذات في مدارس اونروا والمستشفيات تمثل جرائم حرب وفق القانون الدولي والبند 8 من معاهدة روما والتي يتوجب بمقتضاها محاسبة اسرائيل بصفتها قوة الاحتلال». وأكد المحامي جيل ديفيرس بأن «الحرج» السياسي في صفوف السلطة الفلسطينية وبين رام اللهوغزة «لن يوقف مسار تقديم الشكوى»، إذ طلب عقد اجتماع مع المدعية العامة في محكمة لاهاي. وأوضح أن «الشكوى مقدمة من وزير العدل الفلسطيني، وهو عضو في حكومة الوحدة الوطنية. ولم تعلن السلطة اي بيان أو قرار تتبرأ فيه من مبادرة وزيرها. كما تستند الشكوى إلى الرسالة التي بعثها نائب وزير العدل إلى قلم المحكمة». وتستند الشكوى أيضا إلى دعم ما لا يقل عن 137 من أساتذة وخبراء القانون الدولي الذين أكدوا في بيان صدر مطلع الأسبوع «واجب المجموعة الدولية وضع حد للعقوبات الجماعية التي تفرضها اسرائيل على المدنيين في قطاع غزة». ودان البيان «الضغط السياسي المخزي الذي تمارسه الدول أعضاء الأممالمتحدة على الرئيس عباس من اجل ثنيه عن اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية». وناشدوا قادة فلسطين المصادقة على معاهدة روما من أجل أن تتولى المحكمة التحقيق في الجرائم الدولية التي ترتكب في الأراضي الفلسطينية من الأطراف كافة.