أثار الغضب حادثة المستشار الأسري رئيس لجنة إصلاح ذات البين الذي شجع زوجاً اتصل به على الهواء مباشرة يشتكي من زوجته، فطلقها طلاقاً فضائياً على الهواء. وقد سمعت مرة حادثة مشابهة من زوج اشتكى من أن زوجته لا تغسل الصحون، فقال له المستشار الهوائي: طلقها طلقها. الغضب الذي ثار ضد هذه الاستشارة الأسرية لم يكن دفاعاً عن زوجة تسافر مئات الأميال، ولم تخبر زوجها بسفرها إلا عن طريق رسالة هاتفية، لكنه كان دفاعاً عن قاعدة العدل التي تقول: إذا جاءك أحد يشكو وفقئت إحدى عينيه فلا تحكم له حتى يجيء الطرف الآخر لعله فقئت عيناه الاثنتان». وإن كان بعض المتعاطفين مع حقوق الذكر لا يعرفونها فإن القائمين بالعدل والإرشاد يعرفونها جيداً، لكن يبدو أن هذه القاعدة لا يعبأ بها القائمون على النظر في شؤون المتخاصمين حين تكون المرأة طرفاً في الخصام، فالحكم تغلب عليه الحمية الذكورية التي تجعل خطأ الرجل مبرراً، وليس هو الملام غالباً، حتى ولو كان أباً يتحرش بابنته. فكما قال أحد الدعاة في برنامج فضائي «الأب مهما كان، شابٌ في الأخير». هذا الحكم الغريب يقابله حكم أكثر غرابة في الخبر الذي نشرته الصحف عن الأب الذي عذب ابنته جلداً وحرقاً وضرباً، وتشير الصحف إلى أن والدها داعية من الدعاة الذين يعظون الناس ويرشدونهم. الطفلة الصغيرة لمى التي ترقد الآن في العناية المركزة بين الحياة والموت تبيّن أن ذلك سببه العدل الذي قسّمته المحكمة لها، فوالدة الطفلة لمى تقول إنها عندما اشتكت من زوجها الذي يضربها ضرباً مبرحاً ليلاً ونهاراً للقاضي، حصلت على طلاق وحضانة ابنتها وعمرها عامان، مع حكم بسقوط حق النفقة عنها وعن ابنتها، وهذا الحكم في ظني هو حكم الناشز التي لا تذعن لزوجها وترفض العيش معه، فتطلق وتسقط عنها النفقة حتى ولو كان الزوج يضربها ويعذبها، وهذا بالمناسبة أرحم الأحكام في ملف الطلاق، وإذا فهمنا أن الزوجة المعنفة تسقط نفقتها بطلبها الطلاق، فبأي حق تسقط نفقة طفلتها؟ أُم الطفلة لمى رضيت بكل هذا، ورضيت بأن يأخذ الوالد طفلته في زيارة لأيام بدل ساعات، فانتهت القصة بالطفلة إلى العناية المركزة. وبحسب التقرير الطبي فهي تعاني من نزف في الرأس نتيجة كسر في الجمجمة، وكسر في اليد اليسرى وكدمات قوية في أنحاء الجسم، فضلاً عن آثار الحروق المنتشرة في جسمها بسبب تعرضها للضرب والكي وأنواع أخرى من التعذيب من والدها. حق الزوج الذي يحرسه بعض القضاة والمصلحين الأسريين فيطلق زوجته على الهواء من دون أن يكلفه سوى كلمات، ليس هو نفسه حق الزوجة التي تقف أمام القاضي تشتكي من الضرب فلا تحصل إلا على حكم بالنشاز يقابله سقوط حق النفقة عنها وعن ابنتها. هذه وجهة نظر معلنة نسمعها ونراها في أحكام تغلبها الأهواء الذكورية والتقاليد المجتمعية، وحين يعترض أصحاب الرأي عليها يُتهمون بأنهم يضمرون الكراهية للقضاء والمصلحين، ولا يحق لهم أن يطالبوا بقوانين حماية المرأة من العنف لأنها قوانين تغريبية تساعد في الاختلاط. يرضيكم كذا يا مجلس الشورى؟ [email protected]