الصرامة في طلب السلمية من الناس أضحى ضرباً من النق المزعج والوخيم، الجلوس خلف الشاشات على الأريكة الوثيرة والتعويل الكثيف على طهرانية أخلاق الناس الذين «يواجهون رصاص الأمن بصدورهم العارية»، هو هروب من استحقاق الدراسة الواقعية المنهجية، وسد لعجز عن المعرفة، ناهيك عن انتهازية المنظر من عَلٍ. التفسخ الأهلي المزمن في الوضعية السورية الراهنة جعل الناس تحتمي بدفء المكون الأولي، كونَه المكان الآمن الوحيد في أي تحول جذري ضبابي المآل، ولأن الدين يشكل خامة الوعي الفطري اللامسيس لشرائح واسعة من الناس، إضافة إلى عنف أهلي (ليس عنفاً سياسياً) يجد تبريره من عمق الثقافة التاريخية الاجتماعية يستمر باستمرار وجود الخصم، أسفر تفاعل ما سبق إلى استنفار التدين القار، واستنطاق الطائفي الراكد، وتنامي العنف كمعادل أقصى للتدين، بعد فشل أرضي سياسي فادح، وتجلى ذلك في الوعي الجمعي المنتفض عند اللجوء السياسي إلى الله (يا الله ما النا غيرك يا الله). مضار التسلح كثيرة ومخيفة، لا تستطيع هذه السطور القليلة التصدي لها جميعاً، أبرزها التباعد الأهلي الحاد نتيجة ترسيخ السلاح لشعور المسلح بهويته، في محاولته لنحْت ملامح هوية «المحتل»، وكلما كان المجتمع المصاب أقل هضماً لمفاهيم الحداثة والتقاليد السياسية والدستورية، كانت قدرة هذا السلاح في تفعيل التمايزات المذهبية وإطلاق كميات من الحصر النفسي الجمعي أكثر، فينتكس المسلح إلى معطى بدئي خام، ويزداد تحسس الوعي الذاتي الطائفي على حساب رابطة وطنية معقلنة. من زاوية أخرى هل التسلح حالة غريزية في الوعي البدائي للسوريين؟ أليس السعي الدؤوب والممنهج في تحطيم ذوات السوريين المادية والمعنوية من تسلط النواة المافياوية هو ما أيقظه وعززه؟ ما المغري أصلاً للتسلح في الحالة السورية؟ الدخول في معركة خاسرة ضد نظام يمتلك كل شيء، هو هل ترف سلوكي وممارسة فائضة، أم هو احتجاج منهك على واقع مهول مغلق وتبديد لإخفاقات متكررة على كل الأصعدة؟ هل المعالجة تكمن في شتم المسلحين والاستعلاء عليهم ونعتهم بشعبوية رثة في تشكك سلبي غير منتج، أم معالجة الوضع الذي أدى إلى التسلح؟ علينا أن نفرق بين السلاح والمسلح، لأن المسلح هو كائن تاريخي متحول يخضع لقوانين التحليل المركب، هو ليس ثقباً أسود يبتلع كل الصدمات ويسكت، هو مفعول به اضطر إلى الفعل، التجاؤه إلى سلوك بشع فرضه سلوك أبشع، هو نتيجة وليس سبباً. * كاتب سوري.