في مقاربة شؤون الأمن في الخليج فهم لخصوصية مصادر القلق لدى دول مجلس التعاون الست. فالأخطار تختلف عن تلك الموجودة لدى مجموعة دول المغرب العربي، أو تلك الدول في المشرق العربي. والتمرين ضروري لإعادة صوغ منظومة جديدة من العمل العربي المشترك تستند الى المحسوس والعملي، بدل الإتكاء بكسل على ما هو إيديولوجي ونظري. الخليجيون أدركوا ذلك مبكراً عام 1981 فأنشأوا مجلس التعاون الخليجي، كتجمع يضم دول الخليج الست، على أن يفتح المجال لاحقاً، وحين تنضج الظروف، لإلتحاق دول أخرى (في السابق اليمن والعراق ومؤخراً الأردن والمغرب مثلاً). من ذلك التاريخ كان واضحاً أن الخليجيين أقروا هموماً مشتركة، تنطلق من جغرافيا وديمغرافيا خاصة، وأجمعوا على الاعتراف بأخطار تخصهم مباشرة وتهدد كينونتهم ومصيرهم. صحيح أن موقفاً عربياً دافع عن الكويت من تهديدات عراق عبد الكريم قاسم (عام 1961)، بيد أن التجمع داخل مؤسسة سياسية جامعة دشّن عهداً من مفهوم الأمن (في السياسة والمجتمع والثقافة والإقتصاد والسيادة...إلخ) يعترف بالعامل العربي كركن من أركان الأمن، لكنه يتحرى سُبلاً أخرى، وربما أكثر نجاعة في توفير الأمن لأكثر مناطق العالم ثراء. ولا شك في أن خطاب الجمهورية الإسلامية الحديثة التكوين في إيران (عام 1979)، عجّل في إقامة التجمع الخليجي، وأقنع المترددين في المنطقة بضرورة ذلك. ويذهب بعضهم إلى اعتبار العامل الإيراني أساس القلق الخليجي والمحفّز الأول لإنشاء التكتل الإقليمي. على قضية الأمن انطلق الخليجيون في دعم العراق في شكل كامل إبان حربه مع إيران. فمفهوم الأمن الحديث ينطلق من أن الهجوم أنجع السبل للدفاع. وفي ذلك الاستشراف المبكر وعي لأخطار لم تكن ظاهرة لكثيرين. ومع ذلك، فإن الموقف الخليجي، والحرب الإيرانية - العراقية، لم يفعلا إلا تأجيل صدام بين المنطقة وإيران، أضحى اليوم علنياً، من خلال مواقف رسمية، وتصريحات يومية، تتناول تدخّل إيران بشؤون دول الخليج، بأشكال سيادية (احتلال الجزر الإماراتية) أو مخابراتية (الحديث عن الخلايا الإيرانية) أو مذهبية (في اتهام طهران بدعم الشيعة في المنطقة) أو إعلامية (حملة الإعلام الإيراني على السعودية والبحرين)...إلخ. على أن الغزو العراقي للكويت عام 1990 وضع دول الخليج كافة أمام استحقاق حقيقي، وغير متوقع، شكّل تهديداً تدميرياً لكيانات المنطقة ونظمها السياسية. وعُدّ التضامن الخليجي المطلق، نقطة تحول في علاقات دول مجلس التعاون في ما بينها، لجهة التأكد نهائياً من أن الأخطار التي تتعرض لها المنطقة خاصة وبعيدة من تلك التي تتعرض لها مناطق أخرى في العالم العربي. بل أن الخليجيين رأوا على نحو صادم انقسام العرب من حولهم بين مؤيد وشاجب للغزو. أثبت هذا الاستحقاق السقوط النهائي لخيار الأمن العربي، واللجوء النهائي، وحتى اشعار آخر، إلى الأمن الذي توفره المنظومة الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة. الأمن في الخليج، هو الأمن الدولي أيضاً. إغلاق مضيق هرمز كارثة خليجية كما هو كارثة دولية. وبرنامج إيران النووي خطر على الخليج كما هو خطر على استقرار العالم. غزو العراق للكويت شأن كويتي وخليجي، لكنه شأن دولي بامتياز يستنفر قوى العالم. فهم الخليجيون ذلك، وأفهمهم التاريخ الحديث ذلك. وفي غياب استراتيجيات عربية اسلامية مقنعة، ترتبط المنطقة أمنياً بالاستراتيجية الأمنية الغربية. لكن تصاعد التوتر بين دول الخليج وإيران شهد فصوله اللافتة في البحرين. فالمملكة الصغيرة في تواضع أحجامها في الجغرافيا والديموغرافيا والإقتصاد واجهت خلال العام الماضي أشدّ التحديات التي هددت نظام الحكم على نحو دفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى موقف سياسي موحد، إلى درجة إرسال وحدات من درع الجزيرة العربية. وقد مثّل السلوك الخليجي نموذجاً لنوعية التحديات الأمنية الجديدة والمستجدة التي باتت تهدد المنطقة. الكويت تعتبر نفسها أول المتضررين من فشل محتمل قد يطرأ على تشغيل مفاعل بوشهر الإيراني، فالموقع النووي الإيراني أقرب إلى الكويت منه إلى طهران. وهي شنت معركة قضائية ضد التدخل المخابراتي الإيراني. وتولت الإمارات العربية المتحدة سياسة هجومية في انتقاد احتلال ايران للجزر الاماراتية الثلاث (لاحظ غضب أبو ظبي إثر زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد الأخيرة إلى جزيرة أبو موسى، ولاحظ تصريحات ضاحي خلفان قائد شرطة دبي في الكلام عن خلايا نائمة إيرانية في الخليج). فيما أدى الموقف من المسألة السورية إلى توتر العلاقة بين إيران وقطر، رغم حرص الإمارة على التمتع بعلاقات متقدمة مع إيران. وتلك الأمثلة تضاف إلى حالة شبه القطيعة بين طهران والرياض، واحتدام الحملات الإعلامية، وتناقض موقفي البلدين في ملفات حساسة كالبحرين ولبنان وسورية والعراق. على أن الربيع العربي ظهّر أخطاراً جديدة على النظام السياسي الاقليمي. دول المجلس فوجئت، كما فوجئ العرب، والعالم، بالحراك الشعبي في العالم العربي. وانطلاقاً من مفهوم الأمن كان لدول الخليج، أو بعضها، دور فاعل في ليبيا واليمن وسورية. وانطلاقاً من مفهوم الأمن، قام الموقف الخليجي من المسألة السورية بغض النظر عن انسجام ذلك مع الموقف الدولي. وهذا يذكرنا بأن مفهوم الأمن قاد الخليجيين الى موقف عسكري من المسألة البحرينية بغض النظر عن المزاج الدولي الملتبس في هذا المضمار. على أن ما أفصح عنه قائد شرطة دبي ضاحي الخلفان من مؤامرة يعدّها الإخوان المسلمون للسيطرة على نظم الحكم في الخليج، أخرج ما يعسّ إلى العلن، فيما تولى حاكم إمارة الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي من خلال استنكاره لسلوك «الإخوان» رفع مستوى النقاش إلى المصاف القيادية في دولة الإمارات. والقلق الإماراتي يتواكب في هذا الصدد مع قلق ينسحب على كل دول المنطقة، حيث صار «الخطر الإخواني» مثار جدل ونقاش على مستوى مجلس التعاون. لأهل الخليج قصة خاصة وتاريخ خاص ومخاطر خاصة تستدعي سياسة أمنية خاصة. الخليجيون لا يملكون امكانات الحسم ولا يسعون، في التربية والثقافة والتاريخ، إلى حسم. ودول مجلس التعاون محكومة باستدراج التسويات وعدم اللجوء الى ما فوق التسويات، إلا في الحالات الميؤوسة، والتي يجمع أهل المنطقة على اعتبارها خطراً حيوياً داهماً. وربما تصاعد الأخطار المشتركة لكافة دول المنطقة، خفف التناقضات البينية الكلاسيكية، بحيث باتت هواجس القلق العام أكبر من الحسابات البيتية الضيقة.