يبدو أنَّ الوطنية مقطوعة موسيقية مَلَّ عازفها، فمَن يُزايد على تلك الوطنية المُحزنة ويدَّعي أنه رَبيبها، ويُجرِّد الغير منها كما تُجَرَّد الشاة المذبوحة من جلدها، نجده أكبر المساومين وأشهر المزايدين على هذا الوطن باتِّجاره في أراضيه، من دون أن يعير قداسة الأرض أي اعتبار. كيف تجتمع المشاعر والمصالح معاً؟! كيف تلتقي الانتماءات الوطنية والأطماع المالية؟! كيف لِمَن يدَّعي قُدسية الوطن أن يُبيح لنفسه ولغيره بيع وشراء أراضيه؟! كيف لمواطنٍ أن يشتري أرض وطنه كي يسكنها وهو الذي سقط رأسه عليه ونشأ وترعرع فيه وخَدَمَه وذادَ عنه وآثَرَه وضَحّى من أجله؟ أم أن من شدة غلاء الوطن لا يحق لمواطنه أن يسكن أراضيه لأن المتر قد يصل إلى أكثر من 3000 ريال! هنا تتبدّد الوطنية، لأنني لا أرى فرقاً بين المواطن والمقيم، فعندما يصبح الوطن سلعة، سيشتري المواطن أو سيستأجر، وكذلك المقيم. - سئلت مرة: في رأيك لماذا سُمّي «التغريد» في تويتر بذلك على رغم وجود النُبَاح والزئير - أعزَّكم الله؟! فأجبت أن مصطلح «تغريد» هوالأفضل من حيث البلاغة وسلامة التشبيه، وهو مناسب لوضعنا نحن تحديداً لأننا في حاجةٍ ماسّة للتغريد وليس للنُباح أو النَهيق أو حتى الزئير إن كان يرى البعض في الزئير تفاخراً، حتى نجد من يستمع إلى هذا التغريد إن كان تغريداً على أقل تقدير، ومن أهم أسباب إعجابي بمصطلح «تغريد» هو أنَّه مرتبط بالطيران، والطيران مرتبط بالحرية التي نتوق إليها، وبما أننا فقدنا حرياتنا الفعلية، فعلينا أن نتقمَّصها على أغصان تويتر ولو في شكلٍ مجازيّ، فعندما نُغرِّد في تويتر، قد نشعر بما تشعر به الطيور المُحلِّقة في السماء، والشامخة فوق الأغصان، فمَن يدري، قد يكون تويتر سبباً في إرهاصات التطوير والإصلاح، ويكون أيضاً منبراً حرّاً لكل مواطنٍ يريد إيصال صوته أو معاناته بعد أن احتُكِرَت كل المنابر لمَن هم أهل لها وليسوا أهلاً.