لو سألت قبل سنوات هل بإمكان حارس مرمى عربي أن ينجح ويسرق الأضواء في أقوى دوري في العالم الإنكليزي؟ لكانوا سخروا منك، فلم يسبق أن احترف حارس مرمى عربي على أعلى مستوى سابقاً، لكن العماني القدير علي الحبسي صنع تاريخاً مشرقاً في بلاد الضباب وهو يقف في وجه أعتى مهاجمي العالم يذود عن مرمى ويغان الإنكليزي، ولعب دوراً يوم الإثنين الماضي بإيقاف مد هجوم أرسنال وأسقط «المدفعجية» على ملعبهم وبين جماهيرهم في استاد الإمارات (2-1) وهي نتيجة مكررة لما فعله الحبسي ورفاقه أمام ليفربول العتيد على ملعبه وبين جماهيره أيضاً على استاد انفيلد رود العريق، وبين هاتين النتيجتين التاريخيتين كان الفوز الأهم على حامل اللقب مانشستر يونايتد بهدف من دون مقابل. اختصاراً لهذه المباريات نستخرج عبرة وهي أن الحبسي تفوق على هجمات مهاجم أرسنال، الهولندي روبن فان بيرسي، ومهاجم ليفربول، الأوروغوياني لويس سواريز، ومهاجم مانشستر يونايتد، الإنكليزي واين روني، وهؤلاء مع الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو والسويدي زلاتان إبراهيموفيتش أفضل المهاجمين في العالم. المدير الفني لفريق ويغان، الإسباني روبرتو مارتينيز علم أن للحبسي قدرة على إحداث الفارق، فضمه الموسم الماضي على سبيل الإعارة من نادي بولتون، وبسرعة البرق أزاح النجم القادم من عمان حارس المرمى الإنكليزي كريس كيركلاند وصار الرقم واحد بين خشبات المرمى، وكان حضوره أيضاً إيذاناً بتسريح الحارس المخضرم في ويغان مايك بوليت. الحبسي كان عند حسن الظن ونال جائزة أفضل لاعب في ويغان لموسم 2010-2011 ولعب 34 مباراة. أمام هذا الواقع الجديد اضطر ويغان إلى دفع 4 ملايين جنيه إسترليني إلى بولتون لضمه بعقد نهائي، وقال الحبسي آنذاك: «أريد أن أشكر الجميع هنا في ويغان، فهم ساعدوني في تطوير مستواي في إنكلترا، ولهذا أريد أن أحافظ على هذه المكتسبات واغتنام الفرصة من جديد، خصوصاً أن الإدارة تبني فريقاً شاباً أريد أن أكون جزءاً منه». مدربه روبرتو مارتينيز كان من أكثر السعداء لبقاء الحبسي حينها: «حراسة المرمى مركز مهم جداً، وأنا سعيد جداً لأنه بقي هنا، وما تصويت الجماهير لمصلحته على لقب أفضل لاعب في الفريق إلا دليل قاطع على أهميته لهم، وحين أكد بشكل واضح أنه يريد البقاء قمنا بكل ما نستطيع لتحقيق طلبه». مسيرة علي الحبسي لم تكن مفروشة بالورد بل هي نتاج عمل وتعب، لذلك هو كلما سنحت له الفرصة يشكر أول مدرب آمن بقدراته وهو الإنكليزي جون بوريدج، الذي شاهده ومن الوهلة الأولى عرف أنه صاحب إمكانات عالية. المفارقة أن الحبسي لم يكن حارساً للمرمى، فهو لعب مهاجماً حتى سن 16 عاماً، لكنه تحول إلى المرمى بنصيحة من شقيقه، علماً بأن علي لم يكن يفكر أن يسلك طريق النجومية أبداً أو حتى يلعب مع منتخب بلاده. شاء القدر أن يشاهد بوريدج تدريباً لفريق إطفائية المطار التابعة للشرطة العمانية، وأعجب بطريقة صد علي الحبسي لركلة جزاء، ومن هناك بدأت القصة، وبعد المباراة قال مدرب الحراس الإنكليزي، الذي يعرف بخفة الظل، للحارس اليافع: «لقد أعجبتني طريقة صد ركلة الجزاء، ومع التركيز والتدريب أعتقد أنك ستلعب في إنكلترا». علي الحبسي الذي كان يلعب درجة ثالثة اندهش قائلاً: «ماذا؟ انكلترا؟ لا أعتقد». بوريدج آمن بقدرات علي الحبسي: «لديه طول مناسب وقوة اللاعبين الأفارقة وراهنت عليه». بعمر 18 عاماً ذهب الحارس الخجول إلى تجربة في نادي بولتون الإنكليزي تحت قيادة المدير الفني الإنكليزي الشهير سام الاردايس (بيغ سام)، وعلى رغم نجاحه اصطدم بواقع مر مع قوانين تصريح العمل للاعبين المحترفين في إنكلترا، فاضطر إلى الانتقال لفريق لين أوسلو النروجي، فلعب 3 سنوات أهلته للعودة متأهلاً للعب في البريمييرليغ: «كنت سعيداً جداً لأنني أول لاعب من الشرق الأوسط يوقع ويلعب في النرويج، لكن بصراحة قبل أن أصل إلى النروج لم أكن أعرف شيئاً عنها، وصدمت حين شاهدت الثلوج تغطي كل شيء والظلام يخيم طوال النهار». الإصرار والعزيمة والطموح قادته للعب 3 مواسم ناجحة ليحقق حلمه عام 2006 والانتقال إلى بولتون. الحبسي في الطريق لإنقاذ فريقه من الهبوط إلى الدرجة الأولى في إنكلترا، وهو يعيش تجربة نجاح فريدة من نوعها، ومع ذلك لم ينسَ أنه مسلم أبداً، وملتزم إلى أبعد الحدود، ويجد كل رعاية أيضاً واحترام لتقاليده منذ أن كان في بولتون وصولاً إلى ويمبلدون: «تجربتي رائعة ومشجعة، فهم يحرصون على أن يكون طعامي حلالاً في النادي وفي الفندق خلال المباريات، والجميع يحترم ديني، وحتى حين ننتقل للعب خارج ملعبنا يحرصون على تخصيص مكان لي من أجل الصلاة».