أمير القصيم يشارك أبنائه الأيتام وذوي الإعاقة مأدبة الإفطار    ( الإعلام الرمضاني قصص نجاح ملهمة ) في أمسية بنادي الصحافة الرقمية بجدة    ضبط باكستاني في الشرقية لترويجه «الشبو»    مجموعة دول أوروبية تدعم الخطة العربية لإعادة إعمار غزة    نابولي يؤجل قراره بشأن مشاركة ماكتوميناي أمام فيورنتينا    يوفنتوس يفتقد جهود 7 لاعبين أمام أتلانتا في الدوري    بن عيّاف: دعم القيادة السخي لمنصة "إحسان" يعزز ثقافة العطاء والعمل الخيري    زراعة 6 ملايين شجرة بمنطقة القصيم    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : ثاعن    مريم فارس مسؤولة للعلاقات العامة ب UN MTC    19 حالة إنقاذ حياة بمستشفى أجياد الطوارئ    صناعة المدير الجنرال    كيف تنجح الدراما المستقاة من رواية؟    هيئة العناية بشؤون الحرمين تطلق مبادرة الفرق الراجلة    الجامعة العربية تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع الأمنية في سوريا    رونالدو يُعلق على تعادل النصر مع الشباب    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد الفويهي بسكاكا ويعيد تظليله بخشب الأثل وجريد النخل    أمين الشرقية يدشن انطلاق مهرجان "أيام سوق الحب 5" بالدمام    مقصورة الراجحي الأثرية تقيم إفطار صائم بأجواء روحانية وسياحية ومطرية    2789 متطوعًا ومتطوعة بتعليم مكة يقدمون أعمالهم التطوعية ب 12 مسارا بالمركزية    "جنى" ذات ال (17) ربيعاً نموذج لفتياتنا في خدمة المعتمرين والمصلين والصوام    موائد الإفطار في المسجد النبوي.. تكافل وروحانية    بقيادة حكيمة .. السعوديات نجوم في سماء العالمية    تكريم 52 حافظًا وحافظة للقرآن الكريم في جمعية تحفيظ شرورة    تدريب لهيئة الهلال الأحمر السعودي في مول الباحة ضمن مشروع "معاذ" للسلامة الإسعافية    بلدية محافظة رياض الخبراء تزين شوارعها تزامنًا مع الشهر الفضيل    فرق أمانة الطائف تنفذ أعمال غسل طرق وممرات المنطقة المركزية (التاريخية)    المودة تدعم 287 سيدة خلال 2024    إنطلاق مشروع "الحرم بيئة نقية" في نسخته الثامنة    368 كشاف وكشافة يلتقون في مسابقة التميز الكشفي في تعليم الطائف    تبرعات منصة "إحسان" تتجاوز 10 مليارات ريال منذ إنشائها حتى الآن    رئيس "سدايا" يدشّن مركز عمليات الحملة الوطنية للعمل الخيري    حافلات المدينة تعلن عن توفر مسار على مدار 22 ساعة    الهلال يتغلّب على الفيحاء بثنائية ويواصل مطاردة الاتحاد    قنبلة من الحرب العالمية الثانية تعطل حركة القطارات في باريس    بيولي المحبط يكشف سبب استبدال رونالدو    زلزال بقوة 5.4 درجات يضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية    ميتروفيتش يسجل في فوز الهلال على الفيحاء        فيصل بن فرحان ووزير خارجية إيران يناقشان المستجدات في المنطقة        خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يُقدمان تبرعين سخيين للحملة الوطنية للعمل الخيري في نسختها الخامسة بمبلغ 70 مليون ريال    أمير منطقة جازان يشارك رجال الأمن في الميدان إفطارهم الرمضاني    إطلاق لائحة عضوية الهيئة السعودية للتخصصات الصحية    السعودية ترأس أعمال الدورة 69 لاجتماع لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة    السعودية ترحب باستضافة اللقاء المقرر بين أمريكا و أوكرانيا الذي سيعقد بجدة الأسبوع المقبل    الوحدة يتغلّب على الرائد بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    رئيس محكمة استئناف جازان وقائد حرس الحدود بالمنطقة يزوران أسرة الخرد    «الغذاء والدواء» : فوائد الكمّون لا تُغني عن الاستشارة الطبية    محافظ أبو عريش يدشن مبادرة "صم بصحة" لتعزيز الوعي الصحي في رمضان    سمو أمير منطقة تبوك يستقبل عضو مجلس الشورى احمد الحجيلي    بيئة عسير تقيم مبادرة إفطار صائم    تحذيرات أممية من شح الغذاء في القطاع.. وجنوب إفريقيا: إسرائيل تستخدم التجويع سلاحاً للإبادة الجماعية    9500 معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال بينهم 350 طفلًا    طبيبة تستخرج هاتفًا من معدة سجين    تعليم جازان يطلق جائزة "متوهجون"    وزير الدفاع ونظيره السلوفاكي يناقشان المستجدات الدولية    التسامح.. سمة سعودية !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن ظاهرة حازم أبو إسماعيل «الشيخ - الرئيس»
نشر في الحياة يوم 18 - 04 - 2012

أعادت الثورة المصرية تقليب التربة السياسية في مصر وكان من بين ثمارها دخول العشرات إن لم يكن الآلاف إلى بحر السياسة اليومي. بيد أن المحصول النهائي للثورة لا يزال ضعيفاً سواء بسبب الانقسامات والتباينات التي خلقها الصراع على السلطة أو بسبب الفردنة والشخصنة التي تُدار بها السياسة في مصر. وكان من بين من أخرجتهم الثورة إلى المجال العام هو المحامي (أو الشيخ بحسب أنصاره) حازم صلاح أبو إسماعيل الذي أصبح «ظاهرة» بكل المقاييس، بخاصة بعد ترشحه للمنصب الأهم في مصر وهو منصب رئيس الجمهورية.
في البداية كان دخول أبو إسماعيل اللعبة السياسية أشبه بهاوِ ركب أمواج «الثورة» شأنه في ذلك شأن كثيرين آخرين. لذا فلم يأخذه أحد على محمل الجد، ولم يتخيل البعض أن هذا الرجل سوف يصبح بعد فترة حديث الشارع المصري ومحل اهتمام وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. الآن وبعد شهور قليلة أصبح الرجل رقماً صعباً في الانتخابات الرئاسية المقبلة ومن شأن استمراره في السباق أن يعقد حسابات كافة اللاعبين السياسيين.
قبل الثورة كان أقصى طموح أبو إسماعيل هو أن يصبح نائباً في البرلمان المصري وذلك حين ترشح عن جماعة «الإخوان المسلمين» في انتخابات 2005، أما الآن فالرجل ينافس على المقعد الكبير. الحكاية بدأت بخطبة نارية ألقاها أبو إسماعيل خلال إحدى مليونيات الثورة بعد تنحي مبارك، وما لبث أن تقمّص الرجل شخصية الزعيم الثوري الناهض من بين منصات «ميدان التحرير». وقد نجح في اقتناص عقول وقلوب كثير من الشباب الثائر المنحدر من خلفية دينية خاصة في ظل ميوعة الخطاب «الإخواني» من جهة، وانعدام جاذبية الليبراليين من جهة أخرى.
ملامح الرجل تبدو جذابة للكثيرين، ويحظى بكاريزما لا تخطئها العين تعوّض كثيراً من ضعف خطابه السياسي المفرط في «الشعبوية». شرعيته لم تأت من نضاله ضد مبارك على غرار منافسيه أمثال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أو اليساري حمدين صباحي، وإنما من خطابه العنيف ضد العسكر الذي نجح من خلاله في خلق «حالة» ثورية تعتاش على أخطاء العسكر من جهة، وعلى ضعف وتردد السياسيين من جهة أخرى. بل الأكثر من ذلك أن خطاب الرجل قد لقي استحساناً لدى فئات كثيرة خارج المحيط الإسلامي بحيث بات يمثل حالة شعبية ناهضة.
وخلال زيارة سريعة للقاهرة اكتشفت أن أبو إسماعيل قد تحوّل من مجرد شخص طامح للسلطة إلى «ظاهرة» دينية واجتماعية في حاجة للدراسة والتفكيك من أجل فهم تحولات المجتمع المصري في مرحلة ما بعد الثورة.
«ظاهرة» أبو إسماعيل يمكن قراءتها من خلال ثلاثة محددات رئيسية، أولاً: غياب الخطاب الثوري. فقد جاء أبو إسماعيل في لحظة «فراغ» ثوري خاصة على مستوى الخطاب. فقد أدى انخراط القوى السياسية في اللعبة السياسية إلى الابتعاد عن الخطاب الثوري ومحاولة التوصل إلى تفاهمات وترتيبات مع العسكر في ما يخص مسألة نقل السلطة. وهو ما فرض على هذه القوى قيوداً بحكم التوازنات والمواءمات السياسية التي ظل أبو إسماعيل في حلٍّ منها بل وظفها أحياناً للحصول على تعاطف الرافضين لبقاء العسكر. ولم يكن على أبو إسماعيل سوى أن يعيد صياغة خطابه بحيث يستفيد من حالة الفراغ تلك.
لذا فقد صاغ أبو إسماعيل خطاباً سياسياً متفرداً ومغايراً لكافة الخطابات السياسية الموجودة على الساحة المصرية. هذا الخطاب ارتكز على ثلاث روافع أساسية (السلفية، والثورية، والأممية)، وهي المفردات الثلاث التي سمعتها من كثير ممن قابلتهم خلال زيارتي للقاهرة. وهي «الخلطة» التي خلقت حالة يمكن تسميتها مجازاً «السلفية الثورية» التي جذبت عشرات الآلاف من المؤيدين. فالرجل من جهة يقدم خطاباً لم تعتد عليه قطاعات واسعة من شباب الإسلاميين، وهو خطاب يستمد شرعيته الداخلية من حمل شعلة «المشروع الإسلامي» التي تركها الإسلاميون التقليديون بسبب انخراطهم في العمل السياسي الضيّق وتقديمهم تنازلات فكرية وإيديولوجية على نحو ما يذكره مؤيدو أبو إسماعيل. أما خارجياً فهو يعتمد على خطاب زاعق تجاه أميركا وإسرائيل (ضد «الانبطاح» بحسب ما قال لي أحد مؤيدي الشيخ) وذلك من أجل دعم شرعيته.
ثانياً: اتساع رقعة الدين في المجال العام المصري. أو ما يمكن تسميته ب «سلفنة» الوعي الجمعي في مصر. فعلى مدار العقد الماضي جرت عملية «تديين» واسعة لمنظومة المعايير والسلوكيات والعلاقات الاجتماعية في مصر. وهو ما لا يعني بالضرورة ازدياد مخزون القيم الأخلاقية وإنما بالأساس اللجوء للهيرومنطقيا الدينية في تفسير الظواهر السياسية والاجتماعية بحيث يصبح كل ما هو اجتماعي وسياسي قابعاً تحت سلطة التفسير الديني وتحت هيمنة شيوخه ودعاته. وناهيك عن الانفصام الملحوظ بين الدين والتديّن، والقيم والسلوك، فإن النتيجة كانت زيادة السلطة الاجتماعية الممنوحة لهؤلاء الذين كلما ازدادت جاذبيتهم الدينية والخطابية كلما ارتفعت أسهمهم اجتماعياً، ومن ثم يمكن توظيفها سياسياً لاحقاً. ومن هذا الباب الكبير دخل الشيخ أبو إسماعيل إلى المجال العام في مصر. فالرجل طيلة السنوات الخمس السابقة على الثورة كان ضيفاً دائماً على الفضائيات الدينية (تحديداً السلفية) التي انتشرت بشكل غير مسبوق في مصر وكانت مصدراً أساسياً للسلطة والثروة لكثير من الدعاة والشيوخ المعبّرين عن المدرسة السلفية بتنويعاتها المختلفة. وقد وفرت هذه القنوات نافذة للشيخ أطل منها على قطاعات وفئات شبابية وشعبية كثيرة كانت بحاجة لشخص بمواصفات الرجل (حداثيّ الأداة، سلفيّ المظهر، شعبويّ اللغة والخطاب).
ثالثاً: الانتقال إلى مرحلة ما بعد الإسلاموية الرسمية post-informal Islamism. وهذه الظاهرة ازدادت في شكل كبير خلال العقد الأخير. فالراصد للحالة الإسلامية يكتشف تراجع مساحة تأثير الجماعات والحركات والأحزاب الدينية التقليدية كجماعة «الإخوان المسلمين» والأحزاب السلفية وذلك لمصلحة تيارات وشبكات وزعامات إسلامية جديدة متحررة من العبء التنظيمي وغير مقيّدة بحسابات السياسة اليومية. وهي حال ناجمة عن عملية التديين والسلفنة السابق الإشارة إليها. فالأسلمة لم تعد شرطاً للتديّن والعكس صحيح. بكلمات أخرى لم يعد مطلوباً كي تصبح إسلامياً (بمعنى تبني منظومة القيم الإسلامية وطرح مشروع إسلامي للتغيير السياسي والاجتماعي) أن تكون منتمياً لأحد الأحزاب أو الحركات الإسلامية، وإنما بمجرد الالتفاف حول شيخ بعينه أو متابعة قناة دينية محددة. لذا لا يبدو غريباً أن تزداد مساحة الرموز الدينية في مظاهر الحياة اليومية (إرخاء اللحى، زيادة الأنشطة الدينية، استخدام المفردات الدينية في النسق اليومي كنغمات الهاتف النقّال، إلخ...). هذه الحال وإن كانت أكثر ازدياداً بين الشباب إلا أنها أيضاً لم تستثنِ قطاعات اجتماعية أخرى كالمؤسسات العامة والمحال الخاصة وكذلك المنازل. وكانت النتيجة هي اتساع ما يطلق عليه «السوق الدينية» وانضمام أعضاء كُثر لها. ومن هنا جاءت أرضية الشيخ أبو إسماعيل والذي يعد هو ذاته تجسيداً لحالة ما بعد الإسلاموية الرسمية. فالرجل لا ينتمي حركياً أو تنظيمياً لفصيل إسلامي بعينه، وإن كان أقرب إلى المدرسة السلفية ولكن بنكهة «إخوانية». أما جمهور الرجل فمتجاوز لأبناء الحركة الإسلامية في شكلها التقليدي، كما أنه في الوقت نفسه جمهور رافض للحزبية الدينية بمفهومها السياسي وأكثر ميلاً لفكرة الفردنة الدينية self-religious ولكنه في الوقت نفسه يراهن على بناء «تيار» بديل يقف على تخوم الحركات التقليدية ويلعب على دوائرها المتقاطعة. فتجد بين صفوفه «الإخوان المتسلفنين» أو ذوي الميل السلفي وكذلك السلفيين «المتأخونين»، إذا جاز التعبير. ولعل المدهش أن جمهور أبو إسماعيل تجاوز الفئات الفقيرة والوسطى كي يحصد شباباً بورجوازياً ينتمي للطبقة العليا من الشريحة الوسطى وبعض أبناء الطبقات العليا. وإذا كان شباب المدارس الثانوية والجامعات بمثابة المكوّن الرئيسي في جمهور أبو إسماعيل (بخاصة في حملته الانتخابية) فإن له جمهوراً واسعاً بين خريجي الجامعات ومن هم في الأربعينات والخمسينات من العمر.
خلال زيارتي الأخيرة للقاهرة قابلت أنصاراً ومؤيدين من معسكر أبو إسماعيل بعضهم لم يمارس السياسة في حياته قط، والبعض الآخر يرى المستقبل من خلال عيون «الشيخ». لذا فهم مصرّون على استكمال مشروعهم حتى النهاية حتى وإن ضاع الحلم الرئاسي. فالمسألة بالنسبة إليهم لم تعد تتعلق بالمنصب الرئاسي وإنما بمشروع ديني وسياسي يطرحه أبو إسماعيل، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، وهو ما يعني أن بقاء هذا المشروع، على الأقل بالنسبة إلى المريدين، هو أبعد من مجرد الحصول على لقب «الشيخ - الرئيس».
*كاتب وأكاديمي مصري - جامعة دورهام، بريطانيا
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.