فتح عينيه على فصل مدرسي قوامه: معلم وسبورة وصورة يظهر فيها «الرئيس». شاهد على شاشة التلفزيون برامج الأطفال مطعّمة بما يدسّه المعدون والمقدمون من عبارات لتبجيل «الرئيس الأب»، والتغني بما فعلته «ماما»، زوجة الرئيس، لهذا الطفل ولأقرانه. وهو نفسه تابع عبر الشاشة نفسها إسقاط «الرئيس الأب»، وفضح «ماما زوجة الرئيس الأب». وتحولت الاغاني من مهلّلة للثنائي الحاكم إلى منددة بمساوئ النظام الساقط، ورموزه التي تعلّم كيف يبجّلها ودرس كيف يعظّمها. ويشكل الطفل المصري مادة نقاش مستفحل في «معارك» مجلس الشعب الدائرة، حول السماح للمدارس الأجنبية بتعليم الأجيال من عدمه. وينقسم المعنيون حول إذا ما كانت «شرور» المدارس الأجنبية تؤدي إلى توسيع مدارك الأطفال في سن صغيرة، ومغبّة ذلك عليهم وعلى المجتمع، وإذا ما كان تدريس اللغة الإنكليزية في المدارس مخططاً خارجياً، والتساؤل حول من يقف وراء مخطط تعليم «أولادنا لغات الكفرة» تارة أخرى، والمطالبة بعودة حصص التطريز والتدبير المنزلي الى مدارس البنات من أجل إصلاح التعليم تارة ثالثة. هو الطفل المصري الذي لاح له مستقبل افضل، وجد أن القيمين على رسمه وتحقيق «الحلم» منشغلون بلغات «الكفار»، وحصص الحياكة، والتخوف من توسيع المدارك. وفق «يونيسيف»، هناك بين 600 ألف إلى مليون طفل مصري يقطنون الشوارع وأسفل الجسور وقلب المباني المهجورة، واستغلوا كوقود على طرفي المعادلة الثورية، في «الثورة» و «الثورة المضادة». ما زال الطفل المصري ينتظر من يشرح له: لماذا قامت الثورة؟ هل قامت لمحاربة الفساد وتوفير بيئة صحية للأطفال؟ أم من أجل وأد ما تبقى من حريات وعدم الالتفات الى حقوق فئة عريضة تمثل نحو 40 في المئة من السكان في مصر؟ وعلى العكس من عشرات الندوات والفعاليات التي أقيمت في مصر عقب ثورة 25 يناير لمناقشة آثار الصدمات النفسية التي سببتها أحداث الثورة وفعالياتها على الأطفال، والتي لم يخرج أغلبها بإضافة إيجابية، يبدو أن الاطفال في مصر في طريقهم إلى الانضمام الى قائمة طويلة من المهمّشين والمهمشات في مصر ما بعد الثورة. القائمة التي يتزاحم فيها شباب الثورة، والنساء، وأصحاب التوجّهات غير المصطبغة بصبغة الدين، والأطفال الذين يظهرون خارج المنظومة تماماً. استغلال الطفولة المدير السابق للجمعية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية والمفكر الدكتور نبيل صموئيل يرى أن الأطفال في مصر باتوا أقلية – على رغم كثرتهم العددية - من حيث التهميش. صموئيل الذي تحدث في ندوة تحت عنوان «الربيع العربي والأقليات» يؤمن بأن الثورة أظهرت توق الطفل المصري الى الحرية، لكن آخرين استغلوا الطفل نفسه بطرق بالغة السوء، ويقول: «وضع الأطفال في مصر بعد الثورة لم يتحسن». الأطفال في مصر بعد الثورة يظهرون في محطات مختلفة بعضها يبدو بريئاً وإيجابياً، كالأفلام الوثائقية التي صورّت ميدان التحرير المكان الأكثر أمناً وأماناً لأطفال الشوارع. وبرامج التلفزيون التي ركزت على صور ومقاطع لأطفال يقومون بأعمال حرق وتخريب وتقديمهم للمشاهد على انهم «جناة» بتهمة «هدم الوطن وإحراقه للتشهير بالثورة». واستخدمت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية الاطفال كسلاح فتاك، لانتقاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة والتنديد ب «حكم العسكر»، إذ أخذت على عاتقها مهمة إصدار البيانات الشاجبة والتقارير المندّدة بمحاكمة قُصّر أمام المحاكم العسكرية. ونواب البرلمان الذين لم يروا في اهتراء منظومة التعليم المدرسي سوى تدريس لغات «الكفار» وإغلاق المدارس الأجنبية وتعميم دروس الحياكة، يستغلون الأطفال للترويج لأفكارهم المتشددة. ولكن «أين الطفل المصري بعد الثورة؟»، يقول صموئيل إن الجوانب الاجتماعية والثقافية للأطفال المصريين غائبة عمّن يديرون شؤون البلاد حالياً. فأطفال الشوارع إلى زيادة، والأطفال المعوّقون عرضة للعنف بصفة يومية، وهناك علامة استفهام حول ما يتعلمه الأطفال، ولا يزال هناك أطفال يشربون مياهاً من الترع، ومنهم من يعيش في مساكن غير آدمية، أو في عشوائيات تقتل طفولتهم وبراءتهم. ويعتبر مجدي بدران، أستاذ أمراض الحساسية والمناعة في جامعة عين شمس، أن استخدام الأطفال في مصر سياسياً أضاف جريمة جديدة إلى قائمة الجرائم المرتكبة بحقهم. مجالس دخيلة؟ الجرائم المرتكبة ضد الأطفال قد لا تكون مستهدفة فئتهم العمرية، أو بمعنى آخر، فإن مرتكبيها قد لا يكونون خططوا لها لضرب الطفولة في مقتل، وهو ما يعني أنهم لا يفكرون في الأطفال والطفولة في الأصل، وهي جريمة في حد ذاتها. وبينما المشهد السياسي المتأزم والمحتدم يتجه الى تهميش الأطفال أكثر فأكثر، يُحاول البعض جاهداً إيجاد متنفس ل40 في المئة من المصريين. ويعقد المجلس العربي للطفولة والأمومة لجاناً وورش عمل ومعسكرات في محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وقبل أيام اختتم المعسكر التدريبي الأول لمنتدى الطفل المصري أعماله في مدينة أسوان في الصعيد. وكان من بين أهدافه تعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال، وترسيخ قيم الديموقراطية، وتمكين الأطفال من تبادل الرأي والنهوض بثقافة حقوق الطفل. إحدى أبرز التوصيات التي خرج بها الأطفال إلزام المسؤولين بتفعيل دور البرلمان في المدارس ومراكز الشباب، وتنظيم ندوات توعية سياسية للأطفال لمحو الأمية السياسية لهم، مع التشديد على مشاركة الأطفال في وضع السياسات الخاصة بهم. وكانت رئيسة اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة، المهندسة كاميليا حلمي، اعتبرت في تصريح لها الى موقع «إخوان أون لاين» أن إنشاء المجلسين القومي للمرأة والقومي للطفولة والأمومة وفقاً لوثيقتي بكين (1995) وبكين+5 (2000)، تمّ ليكونا آليتين من «الآليات الوطنية لتطبيق الاتفاقات الصادرة عن الأممالمتحدة، والتي «وقَّع عليها النظام البائد، وورَّط مصر والمصريين فيها». وتشير إلى أن «أياً من المجلسين لا يعبّر عن حاجة شعبية حقيقية»، وتضيف: «المجلسان دخيلان على مجتمعنا، وأفسدا الحياة الأسرية والمجتمعية خلال السنين الماضية، حتى باتا ملفوظين من الشعب المصري، وطالب كثير من القوى الشعبية بضرورة وقفهما عن العمل». يُشار إلى أن هذه «القوى الشعبية الكثيرة» لم يُسمع عنها إلا عندما ذُكرت في التصريحات الصادرة عن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.