فشلت لجنة تطبيق المادة 23 البرلمانية الخاصة بتقصي الحقائق في كركوك في تحقيق تقدم في عملها وإصدار توصيات بشأن مستقبل المدينة بسبب استمرار الخلاف بين المكونات الرئيسية فيها، وسط تبادل الاتهامات بين هذه المكونات حول مسؤولية فشل الجهود الرامية للتوصل إلى حل لمشكلة المدينة. وفي غضون ذلك ترأس رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني اجتماعاً مساء الاثنين ضم مسؤولين أكراداً للبحث في قضية كركوك والمادة 140. وذكر بيان لرئاسة الاقليم ان بارزاني ترأس اجتماعا ضم نائب رئيس إقليم كردستان كوسرت رسول علي ونائب رئيس برلمان كردستان كمال كركوكي ورئيس مجلس محافظة كركوك ومحافظها ومسؤولين من الحزبين الكرديين، خصص للبحث «في قضية كركوك والمادة 140 والتأكيد على تنفيذ تلك المادة ورفع المستوى المعيشي لمكونات محافظة كركوك كافة». ويأتي الاجتماع مع انتهاء عمل لجنة تقصي الحقائق (31 آذار/ مارس 2009) من دون التوصل الى توافق حول تقريرها النهائي تمهيداً للانتخابات المحلية في المدينة. وكان البرلمان العراقي شكل لجنة مكونة من سبعة اعضاء: عربيان وكرديان وتركمانيان ومسيحي، لتطبيق ما جاء في المادة 23 من قانون انتخابات مجالس المحافظات الذي اقره المجلس في ايلول (سبتمبر) الماضي، على ان ترفع اللجنة توصياتها الى البرلمان بنهاية آذار الحالي، ويقرر البرلمان، على ضوء هذا التقرير، اجراء انتخابات لمجلس المحافظة. لكن اللجنة لم تبدأ بفتح مكاتبها في كركوك الا في اوائل شباط (فبراير) الماضي. وبموجب المادة 23 تقوم اللجنة بتقصي الحقائق في كركوك من خلال سجلات الاحوال المدنية والدوائر الحكومية وتساهم في تقريب وجهات النظر بين مكوناتها المختلفة. وتبادلت الاطراف الرئيسية الاتهامات بشأن المسؤولية عن فشل اللجنة. وقال العضو العربي في مجلس محافظة كركوك محمد خليل في تصريح الى «الحياة» إن «اللجنة قدمت التوصيات والمقترحات لحل الوضع القائم في كركوك، الا أن المشكلة تكمن في مدى الالتزام بتطبيق تلك التوصيات». وأضاف ان «اللجنة بدأت بموضوع تقاسم السلطة لكن قائمة كركوك المتآخية (كردية) لم يكن لها نية في تطبيق مبدأ تقاسم السلطات من خلال عرقلة إحالة رئاسة المحافظة الى التركمان». وعن الاتفاق الذي جرى بين لجنة تابعة لمجلس المحافظة واللجنة البرلمانية بتمديد عمل الاخيرة الى حزيران (يونيو) المقبل، أبدى خليل ترحيبه بهذا التطور على أن يكون عاملا «لمنح اللجنة نفسا جديدا يساعدها في انهاء مهمتها». وكانت مصادر مقربة من مجلس محافظة كركوك أفادت في وقت سابق بالتوصل الى اتفاق بين لجنة تطبيق المادة 23 ومجلس المحافظة، لتمديد عمل اللجنة الى حزيران المقبل. وعن اسباب مقاطعة الكتلة العربية لاجتماع اللجنة التنسيقية التابعة لمجلس المحافظة الاحد الماضي، بيّن خليل أن «الاكراد دعوا في هذا الاجتماع، الذي يعقد كل أحد وأربعاء، الى النظر في قضية نقل موظفين من اقليم كردستان وبمختلف الدرجات الى كركوك». وأضاف: «نحن مع نقل أي شخص يتحدر من المدينة إليها، ولكن في الوقت الراهن هنالك مسائل حساسة جدا تركت من دون حل ومنها مهمة المادة 23، إذ يفترض أن يتم التوجه الى حل هذه الاشكالات أولا ومن ثم التفرغ الى اعادة موظفي كركوك في المحافظات الاخرى إليها». من جهة أخرى، أوضح العضو الكردي في مجلس المحافظة با بكر صديق ل «الحياة» أن «لجنة المادة 23 تأخرت كثيرا في البدء بمهماتها، وكانت تعاني من عدم توفر مكان وحماية وامكانات مادية، كما أن الكلام يختلف عن الواقع على الارض الذي يتميز بالصعوبة ويحتاج الى جهود أكثر». وتابع صديق «كل كتلة لها مطالبها الخاصة، وليست هنالك أية تنازلات في الامر، والكتل السياسية لا تفكر ببعضها البعض، بل كل كتلة تفكر بنفسها». وأضاف: «حتى اليوم (امس) لم يكن هنالك أي نتيجة حققتها اللجنة». واتهم «العرب والتركمان بعدم تسهيل عمل اللجنة للوصول الى حل، كما انهم لا يريدون تحقيق مصلحة المدينة» مشيراً الى «مقاطعة الكتلة العربية اجتماع اللجنة التنسيقية لمجلس المحافظة الاحد الماضي». وأردف: «يريدون (العرب والتركمان) تمديد عمل اللجنة شهرين، ولكن البرلمان ينظر في مسائل كثيرة، ولا أعتقد أن الوقت سيسمح له بإعادة ترتيب جداوله للنظر في قضية لجنة تقصي الحقائق خصوصاً وأن الوقت قد تأخر». أما العضو التركماني في مجلس المحافظة تحسين كهية، فذكر في تصريح الى «الحياة» أن «هنالك الكثير من القضايا التي لم تحسمها لجنة تطبيق المادة 23، منها موضوع السلطة الادارية في المحافظة» مشيراً الى «استمرار اختلاف وجهات النظر والآراء حتى الآن». ولفت كهية الى ان «العملية معقدة، ولا أعتقد بأن اللجنة ستتمكن من رفع توصياتها الى البرلمان خلال الفترة المتبقية من السقف الزمني المحدد لها، وليس هنالك أي تقدم جديد ملموس يبعث على التفاؤل». وتابع ان «التركمان قدموا أوراقا وملاحظات الى اللجنة حول تقاسم السلطة» لافتاً الى انه «لا بد من توحيد الرؤى من أجل الوصول الى حل، فأي قرار تتخذه اللجنة يجب أن يكون توافقيا وبرضى جميع الاطراف، وهذا من الصعب أن يتم من دون تقديم بعض التنازلات». وكان رئيس لجنة تطبيق المادة 23 محمد التميمي قال إن المحادثات مستمرة مع جميع مكونات كركوك، وتتركز على الامور التي لم يتم الاتفاق عليها. وتشهد كركوك صراعا سياسيا وعرقيا حولها بين الاكراد والعرب والتركمان. فبينما يطالب الاكراد بضمها الى اقليم كردستان اعتمادا على احصائية عام 1957، يدعو العرب والتركمان الى ابقاء علاقتها مع بغداد مباشرة، وتقسيم السطات الادارية فيها بنسبة 32 في المئة للمكونات الثلاثة و4 في المئة الى المسيحيين، فيما يدعو اقتراح ثالث الى اعتبار كركوك اقليما قائما بحد ذاته. وكانت قائمة كركوك المتآخية الكردية اعلنت في وقت سابق أنها اختارت الاحتفاظ بمنصب محافظ المدينة، كونها تتمتع بالغالبية في مجلس المحافظة، بناء على طلب من لجنة تقصي الحقائق للمكونات الثلاثة باختيار احد المناصب الادارية في المدينة، فيما تتجه الامور الى إبقاء منصب نائب المحافظ للعرب وسيؤول منصب رئيس مجلس المحافظة الى التركمان. وكانت وكالة «اسوشيتد برس» كشفت اكتمال تقرير الاممالمتحدة الخاص بكركوك والمقرر رفعه خلال نيسان (ابريل) المقبل، مشيرة الى أن التقرير الدولي يتضمن خمسة خيارات تتفاوت في امكان تطبيقها في ظل الواقع الراهن.