140 حرفاً كتبها أحد الزملاء في مناسبة ثقافية كانت كافية لتحريك الرأي العام وتقسيمه بين مؤيد ومعارض من دون سابق إنذار، تشاء الأقدار أن تتحكم بضعة حروف بحراك شعبي من أي نوع، لا يهم، المهم أن يكون هناك حراك، بعد ذلك بقليل وأيضاً من دون سابق إنذار يخرج فتى يدعى «حمزة كاشغري» ليأتي بالطامة الكبرى، ويتجرأ على سيد البشرية، أيضاً الحراك المستحق يقوم بما يجب ويقسم المجتمع، ويبدل القناعات تارة ويسقط أقنعة تارة أخرى، ثم جاء أخيراً، هكذا أيضاً، ومن دون سابق إنذار شخص نكرة ليعتدي على الذات الإلهية، من خلال ال140 حرفاً أيضاً، وكالعادة تنتفض الآراء وتنقسم إلى أن تجد موضوعاً آخر، وبين ذاك وذاك يخرج محمد العريفي، بسورة جديدة اسمها «التفاح»، فيطير صواب البعض، كيف لا وهي فرصة، لكن بعضاً آخر يفسر تلك السقطة على أنها «اجتهاد»، ثم يأتي «الوسيم» بما هو أسوأ من ذلك، فيتحدث عن الخمر في عهد الرسول «عليه الصلاة والسلام»، ويقول ما لم نسمع به من قبل، وكرد فعل طبيعي تخرج طائفة لتجريمه، وتقابلها طائفة أخرى تبرر تلك السقطة أيضاً، التي لاقت فيها وسائل الإعلام، لا سيما تلك الهابطة، فرصة للتشفي من السعودية والسعوديين، ترى إلى أين يقودنا «قروب اكشنها»؟ من الواضح أن أعضاء «الأكشن» يتكاثرون، في وقت نتحدث فيه بثقة عن ارتفاع الوعي، والغريب أن هذا الوعي يتلاشى بشكل انتقائي صرف، فما هو محظور أمس يمكن أن يتم التجاوز عنه اليوم، والعكس صحيح، وإلا ما الفائدة من طرح عنجهي لا يقدم ولا يؤخر، بل ما الحكمة؟! فمثلاً عندما يخرج «كاشغري» ويسئ إلى الرسول «عليه الصلاة والسلام»، ما الهدف من ذلك؟ قد لا يكون تعمد الإساءة، نقول «قد»، لكنه في المحصلة النهائية أساء، شئنا أم أبينا، لذلك حجج الدفاع أو التبرير تبدو ضحلة مهما تمت المحاولة، لكن هذه الحجج والتبرير تبدو كارثية عندما يخرج داعية ليسئ للرسول بأدوات أخرى، والكارثة الأكبر تكون عندما نجد من هاجم «كاشغري» وطالب بقص رأسه وأصدر عليه الأحكام المسبقة، يدافع وينافح ويبرر للعريفي، بحجة أنه لم يقصد، أو أنه سعى، أو أنه اجتهد! هذه الدائرة الضيقة التي تزدحم بمختلف شرائح الحراك الفكري، تجد نفسها في دوامة، والدوامة، مع الأسف، تقود إلى الأسفل عادة، بمعنى أن الحراك والنقاش اللذين ينبغي أن يصعدا بنا إلى الأعلى ينهاران سريعاً ويسحبانا إلى الأسفل، ويزدادان مع الأيام ضراوة، لا لينسفا ماضينا فقط بل ويهددان مستقبلنا. فأعضاء «القروب» هم جزء منه، لكنهم ليسوا الفريق بأكمله، ويبدو أن بعض من كان لديه «فوبيا» التحدث أمام مجاميع، وجد فرصة في التحدث وهو متخفٍ، من دون أن يدرك خطورة مناقشة قضايا فكرية على درجة عالية من الحساسية، وهو يجلس في استراحة «بسروال وفانيله»، ويتعامل مع تلك القضايا المصيرية ك «فشة خلق»، والخطورة التي تكمن هنا أن تنامي الشعبوية يرتبط مع تنامي لهجة الموالاة والعداء والتعدي، وتتصاعد كلما زادت انبطاحيتها لفكر أو رأي، بغض النظر عما إذا كان ذلك للدين أو للدولة أو لحراك اجتماعي أياً كان أو أشخاص اعتبارين، فمن يتفوق هنا من لديه قدرة على التجريم والسب والشتم والطعن والتمسك بمقولات الآخرين، ومهم جداً القدرة على استيعابهم جميعاً، ما خلق فرقاً متناحرة تسير بلا هدف وتثير العبث الفكري بشتى أنواعه لتولد لنا تصنيفات، وإن لم تكن غائبة في السابق لكنها باتت حاضرة على موائدنا بشكل يومي. عشرات التصنيفات الفكرية التي تدفع بنا بعيداً من أي حوار، باتت هي صيغة الحراك الفكري الذي نشهده اليوم، ليخرج لنا مجوفاً لا يحمل في طياته إلا بث الفرقة والفتنة، ومع هذه الإشكالية تعاظمت فكرة البطل الهمام التي تسيطر على بعض السذج، فأصبح كثيرون يبحثون عن رمز ليحتضنهم، وحتى ولو لم يكن هذا الرمز موجوداً، بات لدى أولئك البعض القدرة على صناعته، وتقديمه والانتحار دفاعاً عنه، وبدورهم يبدو أن من أولئك البعض ممن تم صناعتهم، أو صنعتهم الظروف، استعذبوا ذلك فأمعنوا في تحريفهم لأبجديات المنطق، واستمرأوا تلك الأنوية واستسهلوها، قد لا يكون خبثاً بقدر ما هو جهل، لكن في المحصلة النهائية وجدنا أنفسنا أمام صورة مشوهة لا تمثلنا إلا افتراضياً، أبطالها افتراضيون، وهكذا سيبقون حتى وإن عززوا شعبيتهم بالبيض الذي يثقل حساباتهم، منافسين بذلك أكبر مزارع الدواجن...! [email protected] @Saud_alrayes