يجمع كثر، مع انطلاق فاعليات الدورة الثامنة عشرة من مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، على أن هذه الدورة تكتسي أهمية خاصة من بعد تكريس المهرجان ونيله صدقية متوسطية لجهة انعقاده في ظل حكومة مغربية جديدة لم تقل رأياً قاطعاً، بعد، في نوعية المهرجانات الفنية والسينمائية التي تريدها. أو لجهة أهمية الأفلام التي ترده للمشاركة السنوية فيه من دول متوسطية بدأت تنتعش فيها صناعة السينما على رغم وجود معظم هذه البلدان على حواف أزمات اقتصادية خانقة، بعضها دخل في طور المحظور منها وبعضها ما زال ينتظر، أو هو مرشح للدخول فيها. وهذا ما تشكله «ثيمات» كثير من أفلام هذا المهرجان لهذا العام أيضاً. إضافة إلى موضوعات أخرى مثل ثورات ما يسمى ب «الربيع العربي» وعلاقته بالسينما إذ أفردت له طاولة مستديرة شارك فيها نقاد ومخرجون مصريون وتوانسة – وكاتب هذه السطور - أجمعوا على «ضبايبة» اللحظة التاريخية التي يقف العالم العربي عندها، وبخاصة أن توصيف هذه اللحظة يجيء من مشاركة بلدين عاشا في ميادين هذه الثورات، مع ما يعنيه ذلك من التباس في عمق هذه اللحظة. فهو، وإن انعكس في أفلام وثائقية كثيرة، فإن أهمها جاء من قبل هواة بالدرجة الأولى وجدوا أنفسهم صناعاً لها، ويعايشون اللحظات المفصلية المهمة والخطيرة بتقنيات وتكنولوجيات خفيفة تعكس انقلاباً أيضاً في طريقة فهم السينما الجديدة، بعكس حال الصناع المحترفين الذين تعللوا بالرؤيا ومفردات التعمق في فهم آلية هذه الثورات. ومهما يكن فإن بعض هذه الأفلام الوثائقية كان من الواضح أن أصحابها لم يبحثوا عن جماليات خاصة بها بحكم السرعة والخفة في إنجازها، إلا أن المشاركين أجمعوا على أنها تستند إلى لحظات فارقة في التاريخ العربي، باعتبار أن هذه الثورات تعيش أيضاً على وقع غموض التحديات الاجتماعية التي يفرضها نوع الحراك العربي في «ميادين» التحرير المختلفة. الاجتماعيات من المغرب وبالطبع لم تغب مسائل أخرى مهمة عن أفلام المهرجان، فتوزع بعضها على المشاكل الأسرية وهي ذات طابع اجتماعي بحت، وإن جاءت من المغرب بالتحديد، ومرد ذلك أيضاً إلى أن البلد المضيف لديه ما يقوله في هذا المجال بعد أن هبّت عليه رياح تغيير من نوع خاص به دفعت بمدير المهرجان أحمد الحسني في كلمة الافتتاح إلى تأكيد أهمية الانفتاح على موضوعات اجتماعية صرفة تتناول الهوية والتعددية ظلت حتى وقت قريب مجهولة. وأتى هذا في وقت التفت فيه السينمائيون في هذا البلد إلى مناقشة موضوعات مختلفة بدا أن بعضها يدور في محيط خارجي معزول ومعقد. وقد نبّه الحسني في كلمته - التي اعتبرت رسالة أيضاً إلى بعض الأصوات التي بدأت ترتفع مشككة بالفن السابع وضرورة الالتفات إلى معالجة القضايا الاجتماعية و «الزهد في الإنتاج الثقافي والسينمائي» - إلى أن السينما ستظل لها أولوية قائمة على فلسفة التشارك التي تفرضها طبيعة الحوض المتوسطي نفسه، مع ما يعني ذلك من أن السينما هنا لن تكون عامل تخريب أو إفساد أخلاقي كما بات يحلو للبعض التنظير له من هذه البوابات بالذات كما ذهب الحسني. ولهذا ربما تكتسي هذه الدورة تلك الأهمية الخاصة، لأن رسائل مختلفة وصلت على أكثر من عنوان تشي بأن ربيع السينما المتوسطية مهدّد هو الآخر بمآلات ليست إيجابية في مطلق الأحوال. تكريمات بالجملة إلى هذا، شهد حفل الافتتاح تكريم المخرجة الإسبانية إيسيار بوايين والمخرج المغربي محمد إسماعيل والممثل والمخرج الإيطالي دانييل لوشيتي على أن يكرم في حفل الختام، النجمة الفرنسية ساندرين بونير والممثل المغربي محمد مجد والممثل التونسي هشام رستم والممثل المصري كريم عبدالعزيز. وقد عرض في الحفل الافتتاحي فيلم «الزمان العاقر» للمخرج المغربي المكرم محمد إسماعيل، وهو فيلم شاء مؤلفه عبد الإله بنهدار في حوار شخصي معه، الافتراق عن مقاصد المخرج على ما يبدو، وذلك بأن يشرح معنى الزمان هنا في اللهجة المغربية الدارجة والتي تعني الرجل، وليس «الزمان» بالمعنى الكوني، ما يعني أن الفيلم يستمد مشروعية هنا، من ذلك الرجل الريفي المغربي الذي يصرّ على عقم زوجته حتى مع تأكيد الأطباء أن العقم يجيء منه ظناً منه بأن الرجال لا يصابون بهذه الآفة. ومهما يكن قد جاء في تعليل الكلمة، فإن الفيلم، والحديث لبنهدار، كان قد أعدّ أساساً للتلفزيون، على أن يصور بين الرباط وإحدى قرى الجنوب المغربي البعيدة، ولكن المخرج إسماعيل آثر أن يصوره في الشمال المغربي، وفي تطوان بالتحديد، كونه يتحدّر من هذه المدينة الجميلة التي تحتل موقعاً جغرافياً مهماً في الخريطة المغربية، لا بل إنه دعا في كلمته الترحيبية في الافتتاح، زملاءه المخرجين المغاربة للتصوير فيها واكتشاف أسرار فيها لم تكتشف بعد كما قال. ضمّت قائمة المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة والتي يرأسها الأميركي بيتر سكارليت هذا العام، 12 فيلماً مثل «جنة البهائم» للمخرجة الإسبانية إيستيل لاريفاز و «أنا هنا» للمخرج الإيطالي أندريا سيكري و «تنورة ماكسي» للمخرج اللبناني جو بوعيد و «العدو» للمخرج الصربي ديجان زيفييش و «أيادٍ خشنة» للمخرج المغربي محمد العسلي و «الخروج من القاهرة» للمخرج المصري هشام عيساوي و «موت للبيع» للمخرج المغربي فوزي بنسعيدي و «عادي» للمخرج الجزائري مرزاق علواش. كذلك، جاء في قائمة المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة ويرأسها المخرج المغربي نور الدين لخماري 14 فيلماً. أما المسابقة الرسمية للفيلم الوثائقي ويرأسها المخرج الإسباني أنطونيو ديلغادو فقد ضمت في قائمتها (للفيلم الطويل والقصير)، 17 فيلماً جاء بعضها على سوية عالية مثل «أرضي» للمخرج المغربي نبيل عيوش و «سينما شيوعية» للمخرجة الكرواتية ميلا توراجليك و «من أجل إشبيلية» جديدة للمخرجة المغربية كاتيا الوزاني. كذلك، ضم المهرجان في دورته هذه بعض العروض الاستعادية الخاصة لأفلام جديدة الإنتاج مثل «الأندلس مونامور» للمخرج المغربي محمد نظيف و «أشياء من عالم آخر» للمخرج الإيطالي فانسيسكو بتييرنو و «هلأ لوين» للمخرجة اللبنانية نادين لبكي و «ذات مرة في الأناضول» للمخرج التركي نوري بيليج جيلان. أما برنامج 14,4 الذي جاء ثمرة لتعاون حثيث بين إدارة المهرجان في تطوان والخزانة السينمائية في طنجة ومعهد سيرفانتس في كلا المدينتين البحريتين بغية تقوية الحوار الثقافي بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط فقد ضم برنامجه أفلاماً مثل «كل يوم عيد» للمخرجة اللبنانية ديما الحر و «قداش اتحبني» (كم تحبني) للمخرجة الجزائرية فاطمة الزهراء زعموم.